ما الذي يؤخر واشنطن عن ضرب مفاعل فوردو؟ (تحليل عسكري)
متابعات-منصة “رادار360”:
في ظل التصعيد القتالي المستمر بين كيان العدو الاسرائيلي والجمهورية الاسلامية الإيرانية تدرس ادارة الرئيس ترامب ضرورة تدخل واشنطن في مساندة الكيان وذلك بتوجيه ضربة عسكرية مباشرة تستهدف مفاعل فوردو المحصن تحت الأرض..وسط تحذيرات ايرانية من ان اي تدخل امريكي سيواجه برد غير مسبوق تكون عواقبه كبيرة.
يُعد مفاعل فوردو أحد أكثر المنشآت تحصينًا في العالم، يقع داخل جبل قرب مدينة قم، ويُعتقد أنه بُني خصيصا لمقاومة الضربات الجوية والصاروخية، بل وحتى الهجمات النووية المحدودة. ومع تزايد الحديث عن الخيارات المطروحة أمام واشنطن لاحتواء البرنامج النووي الإيراني أو إعاقته، تُطرح احتمالية استهداف فوردو كخيار عسكري استراتيجي بالغ الحساسية، ولكنه أيضًا بالغ الخطورة، في بيئة عمليات معقدة وغير تقليدية.
يعتمد سيناريو استهداف مفاعل فوردو على قدرة الولايات المتحدة في تنفيذ ضربة دقيقة وسريعة باستخدام قاذفاتها الاستراتيجية بعيدة المدى، مثل طراز B-2 Spirit الشبحية، أو B-52 Stratofortress ذات الحمولة الكبيرة. هذه الطائرات هي الوحيدة القادرة على حمل قنابل خارقة للتحصينات من نوع GBU-57 Massive Ordnance Penetrator، وهي قنابل تزن أكثر من ثلاثة عشر طنًا، وتتميز بقدرتها على اختراق عشرات الأمتار من الخرسانة المسلحة قبل أن تنفجر. ولكن هذا السيناريو لا يمكن أن يُقارَن بعمليات عسكرية سابقة قامت بها الولايات المتحدة ضد منشآت مماثلة في دول مثل العراق أو سوريا.
فمفاعل فوردو ليس فقط محصنًا بشكل يفوق بكثير أي منشأة نووية أخرى استهدفتها واشنطن من قبل، بل إنه محمي أيضًا بمنظومة دفاع جوي هي الأكثر تعقيدًا في المنطقة، وتدار وفق عقيدة متكاملة تربط بين الرصد، والتشويش، والاعتراض. تمتلك إيران شبكة دفاع جوي متعددة الطبقات، بدأت منذ سنوات في تحديثها وتوسيع نطاقها لتشمل النطاقات المتوسطة والبعيدة. وتضم هذه الشبكة منظومات متطورة مثل S-300PMU2 الروسية، التي يُعتقد أن مداها يتجاوز 200 كيلومتر، ويمكنها تعقب أهداف متعددة في الوقت ذاته، بالإضافة إلى منظومة Bavar-373 الإيرانية محلية الصنع، والتي تصفها طهران بأنها تمتلك قدرات تتجاوز في بعض نواحيها منظومة إس-400 الروسية. وتعمل هذه الأنظمة ضمن شبكة قيادة وسيطرة متكاملة، مدعومة برادارات حديثة مثل “مرصاد-4″، التي صممت خصيصًا للكشف عن الطائرات الشبحية، بل وحتى التنبؤ بمساراتها قبل أن تدخل إلى المجال الفعلي للرادار.
كما عززت إيران هذه المنظومات باستخدام وحدات تشويش إلكتروني قادرة على تعطيل إشارات التوجيه والاتصال في الطائرات والصواريخ المهاجمة، وهو ما يجعل بيئة العمليات معقدة بشكل غير مسبوق لأي قاذفة أمريكية تسعى لاختراق هذا الحزام الناري. المعضلة الأساسية التي تواجهها القاذفات الأمريكية في هذا السياق ليست فقط في قدرة الدفاعات الإيرانية على رصدها أو مهاجمتها، بل في شروط استخدام قنابل GBU-57 نفسها. فهذه القنابل تتطلب أن تُطلق من مسافة قريبة لا تتجاوز العشرين كيلومترًا من الهدف لضمان إصابة دقيقة
وهذا يعني ببساطة أن على القاذفة أن تدخل إلى عمق المجال الجوي الإيراني، وأن تقترب مسافة خطيرة من الموقع المستهدف قبل إطلاق القنبلة. وفي تلك اللحظة، ستكون قد أصبحت في مرمى كافة أنظمة الدفاع، من بعيدة المدى إلى القريبة، بل وحتى وحدات الرصد الأرضية التي تستخدم تقنيات تصوير حراري وبصري مخصصة لرصد الطائرات ذات المقطع الراداري المنخفض. وإذا أضفنا إلى ذلك أن سرعة القاذفات الأمريكية تتراوح بين 800 و900 كيلومتر في الساعة فقط، فإن بقاءها في الأجواء المعادية لعدة دقائق سيكون كفيلاً بتحويلها إلى هدف محتم في حال فشلت أنظمة التخفي أو تعطلت بفعل التشويش.
لا تكتفي إيران بالدفاع السلبي أو الاعتماد على المنظومات الأرضية، بل تطبق مبدأ “الدفاع المتكامل”، الذي يجمع بين الدفاعات الصاروخية المتنوعة، وأنظمة الرصد المتعددة، ووحدات الحرب الإلكترونية، بالإضافة إلى تكتيكات غير تقليدية تشمل استدراج الطائرات إلى كمائن إلكترونية، أو استخدام أجهزة محاكاة للتشويش على الرادارات الأمريكية نفسها. حول مفاعل فوردو، تحديدًا، تم إنشاء حلقات دفاعية متتالية، كل منها مزود بصواريخ مختلفة، من طراز “رعد”، “طبس”، و”فاتح-14″، بحيث تُجبر القاذفة الأمريكية على عبور أكثر من طبقة دفاعية قبل أن تقترب من المفاعل.
كما تشير تقارير استخباراتية إلى أن إيران تستخدم وحدات متنقلة مضادة للطائرات في محيط هذه المنشآت، يمكنها التحرك بسرعة وتغيير مواقعها لتجنب الرصد المسبق. هذه الإجراءات تجعل من سيناريو التسلل الليلي أو الهجوم المباغت سيناريو محفوفًا بالمخاطر، ستحاول الولايات المتحدة من جهتها تقليص هذه المخاطر عبر حزمة من الإجراءات التمهيدية، تبدأ غالبًا بمحاولات لإرباك النظام الدفاعي الإيراني باستخدام الطائرات الشبحية F-35، التي قد تُكلّف بمهمة ضرب مواقع الرادارات أو التشويش على الاتصالات قبل دخول القاذفات الثقيلة.
ويجري الحديث أيضًا عن استخدام طائرات دون طيار لخلق انطباع زائف عن نمط الهجوم المتوقع، مما يمنح القاذفات فرصة للاقتراب بشكل غير مكشوف. كما يتم النظر في إمكانية شن هجمات إلكترونية مكثفة على منظومات القيادة والسيطرة الإيرانية، لتعطيل الرادارات أو تعطيل منظومات الإطلاق لبعض الوقت. لكن رغم كل هذه التحضيرات، تبقى هناك مساحة كبيرة من اللايقين.
من الناحية الاستراتيجية، يمثل استهداف مفاعل فوردو مقامرة سياسية وعسكرية قد تفضي إلى نتائج غير محسوبة. فإسقاط طائرة B-2 واحدة فقط – وهي من أغلى الطائرات في الترسانة الأمريكية – سيكون حدثًا مدويًا عالميًا، يمس بصورة الهيمنة العسكرية الأمريكية، ويقوض مصداقيتها أمام الحلفاء، ويمنح إيران مكسبًا استراتيجيًا هائلًا، قد يُستثمر داخليًا وخارجيًا لتبرير مزيد من الردع والمواجهة.
كما أن هذا السيناريو يفتح المجال أمام رد إيراني واسع النطاق، لا يقتصر على الساحة السورية أو العراقية، بل قد يمتد ليشمل الخليج العربي برمته، بدءًا من استهداف القواعد الأمريكية المنتشرة في قطر والبحرين والإمارات، وصولًا إلى تهديد الملاحة في مضيق هرمز، بل وحتى تنفيذ عمليات بحرية ضد حاملات الطائرات الأمريكية في بحر العرب. إن الخطر الأكبر الذي يتهدد هذه العملية وهو ما يجعل واشنطن مترددة هي الطبيعة العملياتية للقاذفات الأمريكية نفسها، وعلى رأسها B-2 Spirit، التي بقدر ما تتمتع به من تقنيات التخفي وقدرة على حمل القنابل الخارقة للتحصينات، فإنها تحمل في ذاتها مكامن ضعف لا يمكن التغافل عنها اولا سرعتها التشغيلية، التي لا تتجاوز 900 كلم/ساعة، تجعلها أبطأ بكثير من المقاتلات الحديثة كـ F-35، التي يمكنها المناورة والانسحاب السريع بعد تنفيذ المهمة، في حين أن القاذفة ستكون مرغمة على البقاء داخل المجال الجوي الإيراني لفترة زمنية حرجة تتراوح بين 7 إلى 10 دقائق على الأقل، وهي فترة كافية لأن تتحول إلى “هدف بطيء ضخم” أمام شبكة الدفاعات متعددة الطبقات التي تحيط بفوردو.
ثانيًا، وبسبب طبيعتها بعيدة المدى وحمولتها الثقيلة من القنابل الخارقة، فإن القاذفة تعتمد على دعم لوجستي كبير يشمل التزود بالوقود في الجو، وهو ما يزيد من تعقيد المهمة ويُطيل زمن بقائها في مسرح العمليات، ويجعل من تحديد موقعها مسألة وقت، لا احتمال. وفي حال تعطّل أي من هذه العناصر – سواء دعم الوقود، أو التشويش، أو التغطية القتالية – فإن القاذفة ستُترك وحدها في سماء معادية، مكشوفة أمام الرادارات والصواريخ الإيرانية التي صُممت خصيصًا لرصد هذا النوع من التهديدات غير التقليدية.
ثالثًا، فإن الحاجة إلى اقتراب القاذفة حتى مسافة 20 كم فقط من المفاعل لإطلاق قنبلة GBU-57 بدقة، يجعل من اختراقها المجال الجوي الإيراني مرحلة اشتباك فعلي، تُدخلها مباشرة في نطاق النيران، وتُسقط عنها عنصر المفاجأة.
وفي هذه اللحظة الحرجة، فإن أي خطأ تقني، أو أي إصابة جزئية، كفيل بإسقاط قاذفة تتجاوز قيمتها ملياري دولار، لتسقط على أرض العدو كرمز للهزيمة، لا الانتصار. ولهذا، فإن خيار ضرب فوردو مغامرة كبرى على حافة السكين، قد تبدأ بهجوم، لكنها لا تنتهي إلا بإعادة كتابة خريطة الصراع بأكملها نشرت مجلة فورين أفيرز مقالا مطولا لأستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، روبرت بيب، تناول فيه بالتحليل أهداف الحملة الجوية الإسرائيلية ضد إيران ومآلاتها، والعوائق التي تعترضها.