تعز اليوم
نافذة على تعز

الصادق البركاني.. رحيل آخر الكبار

غالب المقدم-“تعز اليوم”:

رحل آخر الرجال.. أخر الكبار.. الكبار مبادئ و أخلاقًا.. الكبار إيمانًا وتضحية، رحل حقًا تاركًا لنا هذا الزمن.. زمن يعجُّ بالأقزام لا سواهم.. عرفته في السنوات الصعبة، فكان لي عنوانًا جميلًا ومعدنًا أصيلًا لا يتأثر ولا يتغير بسوء الظن ولا بتقلبات الزمن.

الشيخ صادق البركاني رجل استثنائي حقًا.. رجلٌ اخترق حُجب الزمن ليصل إلينا ليعلمنا معاني الإنسانية، ومعنى أن تكون إنسانًا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.. يحمل صفات الرعيل الأول من معاني نبل الرجولة وصفات الإنسان،، عرفته في سنوات الجمر، متواضعًا، محبًا، حنونًا، ورافقته فيها كنتُ لا أجدهُ إلا في أعلى مراتب التضحية والبذل والعطاء، نصير المستضعفين، سند الخائفين من بطش الزمن وجوره.

أيها المعلم والسند والمربي الوفي والشهم، قاسمتنا السنوات الصعبة.. سنوات العُسر التي لم يصمد فيها الكثيرون ممن هربوا من ويلات الحرب، وعرفت معك معنى الإنسانية والوطنية معًا، استندت في حياتي لك، فكنتَ بحق زاد المراحل الصعبة، رغم قلة حيلتي أمام مقامك الكبير، فلم تتجاهلني أو تخذلني يومًا، وكنت تلاقيني بكل حفاوةٍ وحب دون أن أشعر أنني عبء ثقيل عليك.. ها أنت اليوم رحلت وتركتني وحيدًا مع ذاكرة يغمرها ألم فقدك، أواجه ملمات الزمن دون درع يقيني الصدمات، وذكريات أستزيد بها لمواصلة المسير، لكنها تبدو بلا نورٍ يُضيء لي عتمة الطريق.

هل يمكن أن يُنسى رجل مثله، لربما لا تستطيع أن تنجب مثلهُ عزلة الحقل مديرية جبل حبشي بمحافظة تعز مرةً أخرى، رحل وترك لنا رائحته الزكية العبقة على مدى الزمن، من أراد أن يعرف معدن الراحل عليه أن يعرف ما معنى أن تتجسد المبادئ إنسانًا.

لا يستطيع أحد أن يحس بغصة الرحيل ومرارته مثلي، إلا من عاش معه وعايشه، وعليه أن يكتب عن مناقب الرجل ومواقفه التي لم تتوقف حتى وهو يصارع الموت بعد أن حاصره بسياجه الأليم والموجع، رغم صعوبة الوضع وغدر الزمن به، وعن استمراره في تحمل المشاق عن غيره ليخفف من معاناة رفاقه المخلصين، دون أن يفقد من صفاته الأصلية شيئًا أو تعوقه كل تلك المصائب عن فعل كل خير.

البركاني صادق.. كان وسيظل رمزًا لا يبلى ولا يمحوه تقادم الزمن، لأنه مدرسة للوطنية والشرف والصدق والإخلاص، ومعنى حقيقي للأخوة والرجولة حتى ساعته الأخيرة، وهو باذل بسخاء حياته دون تردد منه لكل من صادفه أو كان معه من أبناء المنطقة الذين جلس معهم أو ساعدهم.. يصعب نسيانه أو نسيان بشاشته المعهودة دائمًا.

من المؤلم أيها العزيز أن ترحل لتتركنا يتامى بعدك لم نبلغ أشدنا، ولا نملك من القوة والجلد لمواجهة الشدائد كما كنت أنت.. ومع ذلك لن ندخر جهدًا في بذله لمواصلة الطريق حتى يأتي ذلك الوقت الذين نكون من بعدك قادرين على البذل والعطاء والتضحية دون كللٍ أو ملل، فنحن أبناء أمة لا تموت ولادة بمن يجدد قيم الإخاء والمحبة والتسامح من جديد، وعزاؤنا أنه ترك فينا ذريةً صالحة نسأل الله أن تحذو حذوه، وتمشي على نهجهِ البديع، وهما أخوانا إيهاب ومعاذ.. رحمك الله شيخنا العزيز، وغفر لك وعفا عنك وجزاك خيرًا لما قدمته لمحبيك وأهلك وذويك، وأسكنك فسيح جناته وألهم أهلك ومحبيك وألهمنا جميعًا الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.

 

قد يعجبك ايضا