تعز اليوم
نافذة على تعز

في ذكرى الاستقلال المجيد.. قراءة في وثيقة “لحركة القوميين العرب” “اتحاد الإمارات المزيف مؤامرة على الوحدة العربية”

قادر احمد حيدر – تعز اليوم:

أصدرت “حركة القوميين العرب” المركزية في عام  1959م، وثيقة بعنوان “اتحاد الإمارات المزيف مؤامرة على الوحدة العربية”، أي “الاتحاد الفيدرالي” الذي سعت الإدارة الاستعمارية البريطانية لإقامته في جنوب البلاد، في تصور منها أنها تحسن وجهها القبيح، وتزين شكل وجودها في البلاد. وطيلة الحقبة الاستعمارية قسمت بريطانيا جنوب البلاد إلى ثلاث مناطق، أو إدارات، كل منها دويلة، في داخلها دويلات صغيرة مستقلة خاضعة ومقيدة فعلياً وسياسياً بجملة معاهدات واتفاقيات مع الإدارة الاستعمارية البريطانية. وهذه المناطق الثلاث هي: عدن وحكومتها، والمحميات الغربية، والمحمية الشرقية. وفي عام 1954م سعت لإقامة دولتين اتحاديتين، في كل من: المحميات الغربية، والمحميات الشرقية، ثم إقامة ما سمته آخر الأمر “دولة اتحاد الجنوب العربي” وأرادت إدخاله في الجامعة العربية، ومن ثم ضرب قضية الوحدة اليمنية (1)، كانت تلك خطوات سياسية لإعطاء هوية مفتعلة لمناطق جنوب اليمن في صورة هويات سياسية مناطقية قبلية، عشائرية، لكل واحدة منها دويلة مستقلة عن الأخرى، تجتمع في مسمى “محمية غربية” و”محمية شرقية”. وبعد أن لم يؤت هذا المسعى ثماره أو وصل إلى طريق مسدود، سعت لطرح المشروع السياسي الفيدرالي الجديد، في 11 فبراير 1959م. وقد قوبل هذا المشروع بالمعارضة السياسية والرفض من جميع أطراف الحركة السياسية الوطنية، وعارضته الإمامة لأسباب سياسية تكتيكية خاصة بها، وعارضته الجامعة العربية. ولعبت مصر دوراً سياسياً وإعلامياً ودبلوماسياً في معارضة جميع مشاريع بريطانيا السياسية في جنوب اليمن منذُ مشروع 1954م حتى مشروع 1959م.

وجاءت “وثيقة حركة القوميين العرب” في هذا الاتجاه، ولكن ضمن رؤية سياسية جديدة جعلت من قراءتها ومناقشتها للمشروع الاستعماري مدخلاً لتأكيد خيارها السياسي من أن لا حل سوى بالكفاح المسلح. ومع الوثيقة النقدية التحليلية لحركة القوميين العرب، نجد أنفسنا أمام كتابة راقية في الفلسفة السياسية، وأمام رؤية تعيدنا إلى صراع تاريخي قومي، وخطاب حدي يكن عداءً صارخاً لكل ما يتصور أنه خارج نطاق القومية العربية أوفيه شبهة عداء لها، خطاب مشحون بميثولوجية ثورية قومية عصبوية، عدوها الأساس الاستعمار وحلفاؤه والشيوعية، ولكن في هيئة ومضمون خطاب ثوري مقاوم من أجل انتزاع استقلال البلاد العربية ورفض التجزئة والتقسيم.. خطاب، وكتابة محكومة بمنطق صعود حركة التحرير العربية القومية، والدور السياسي القيادي لمصر عبدالناصر، والذي تعتبر حركة القوميين العرب وقياداتها حتى ذلك الوقت (أواخر الخمسينيات) واقعة تحت طغيان الأيديولوجية القومية الناصرية، ولم تبرز بعد ذلك في إطارها أي تباين جدي حول ما سُمي بعد ذلك: اليمين واليسار والذي تشكَّل مباشرة من بعد النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي. رؤية تتحرك وتقرأ وتحلل الأمور ضمن منطق الصراع العربي القومي والإنساني. إنه خطاب لا يسمح بالاختلاف قيد أنملة مع ما يراه صواباً “نفذ ثم ناقش”. ولذلك لم ير في ثورة العراق 1958م سوى عمالة وخروج عن منهج العروبة وشيوعية.

مع وثيقة “اتحاد الإمارات المزيف” لحركة القوميين العرب، تجد نفسك أمام خطاب ثوري متفائل بالنصر من أول كلمة إلى آخر حرف من الصفحة الأخيرة، تفاؤل بهزيمة الاستعمار الغربي عامة، ومصدر تفاؤله إرادة ذاتية صلبة، (تفاؤلية) مستمدة من مد سياسي ثوري قومي صاعد بقيادة مصر عبدالناصر.

تصدت الحركة في هذه الوثيقة الفكرية التحليلية مبكراً لأكثر من مهمة نضالية (فكرية، سياسية، وطنية، وقومية). فقدمت فيها تحليلاً، سوسيو – سياسياً، وجيو/استراتيجياً، للضرورة الوطنية للكفاح المسلح في جنوب البلاد، ولضرورة قيام الثورة في الشمال، كقاعدة انطلاق للثورة في الجنوب. وكان ذلك قبل التفكير الجدي بإعلان قيام الجبهة القومية بحوالي أربع سنوات تقريباً، حين تقدمت حركة القوميين العرب برؤيتها الفكرية السياسية، للشروط الواجب توافرها لانطلاق عملية الكفاح المسلح، ولضرورته السياسية والنضالية للثورة ضد الاستعمار البريطاني، في مرحلة كان فيها مثل هذا الخطاب يدخل في عداد التفكير بالتمني، وسيواجه بمعارضة ورفض شديدين، وسينظر إليه باعتباره جنوحاً نحو التطرف والمغامرة السياسية غير المحسوبة النتائج (أي بناء قناعات أيديولوجية/سياسية كفاحية على مجهول في علم الغيب).ومع ذلك أصرت حركة القوميين العرب على تقديم رؤيتها حول الضرورة السياسية والواقعية لخيار الكفاح المسلح من خلال نقد عابر لاتحاد الإمارات المزيف.

وتقول الوثيقة إن معركتنا في هذا الجزء من الوطن ستكون جزائر ثانية (…) ويجب أن نتوقع أن يجابه نضالنا في اليمن المحتل والخليج العربي، نفس هذا التكتل -يقصد التكتل الغربي الاستعماري ضد الجزائر- بالاستعمار الغربي الذي يترنح تحت الضربات القاصمة التي أنزلها به النضال العربي التحرري، مدركاً الأهمية الخاصة التي أصبحت عليها هذه المناطق من الوطن العربي، سواء بالنسبة لقواعده العسكرية الاستعمارية في آسيا وإفريقيا، إلى أن تقول الوثيقة “فهي ليست معركة انتخابات سياسية، وهي ليست في شكلها الحاسم الأخير معركة إضرابات ومظاهرات فحسب، إنها في النهاية، كما هو واضح منذ البداية، معركة كفاح مسلح، كفاح مسلح عنيد لا لين فيه، ولا مهادنة، ومعركة دماء وبطولات لا تراجع عنها ولا مساومة” (2).

 ويلاحظ هنا أن الوثيقة تتحدث وبلغة واثقة وبصياغة راسخة “لموقف ثوري حاسم”، وفي مرحلة مبكرة، عن أن لا خيار سوى انتهاج الكفاح المسلح، وأن أشكال النضال السياسي القائمة أثبتت فشلها، علماً أن هذه النتيجة عند إصدار الوثيقة تعتبر بكل المقاييس سابقة لأوانها، خاصة وأن أشكال الكفاح السياسي /المدني الديمقراطي ما تزال مؤثرة، وتؤدي دوراً سياسياً ونقابياً فاعلاً، ولم يصبح بعد سؤال فشل أشكال العمل السياسي مطروحا بل ولا حتى قابلا للنقاش في الأوساط السياسية داخل البلاد، وما تزال الأحزاب السياسية تخوض نضالاتها السياسية والمطلبية والنقابية والدستورية، ولم تثبت المؤتمرات الدستورية البريطانية بمشاركة الأحزاب فشلها ووصولها إلى طريق مسدود، ومناورات الاستعمار البريطاني السياسية قائمة، ولم يظهر دور الأمم المتحدة وقراراتها في إدانة الاستعمار وإعلانها حق تقرير المصير للشعوب، وقرارات تصفية الاستعمار. إذن تعتبر وثيقة حركة القوميين العرب في ذلك الحين ليس أكثر من نزعة إرادوية ورغبات، وتفكير ثوري أيديولوجي،(تفكير بالتمني)، جاءت تحت المد الصاعد لحركة التحرير الوطني العربية، والشعارات الثورية القومية والاشتراكية. ومع كل ذلك يبقى استنتاج الحركة صائباً ودقيقاً، حول عدم إمكانية انطلاق عملية ثورية مسلحة مع بقاء نظام الإمامة المتوكلية كما هو عليه في عزلة وتحجر وجمود، كما هو دون تعديل أو تطوير. فمع بقاء أوضاع المملكة الامامية مكبلة لإرادة الشعب في داخلها ومانعة لظهور مقاومة فاعلة ضد الاستعمار في الجنوب المحتل، تصبح إمكانية انطلاقة العمل المسلح صعبة وغير ممكنة. وترى الوثيقة “أن معركة التحرير في الجنوب ليس من السهل أن تؤدي إلى نتيجة حاسمة، فاصلة، مالم تدعم وتغذ من شمال اليمن، ذلك أن انحصار اليمن المحتل ما بين البحر جنوباً ومملكة اليمن شمالاً يجعل من الصعب قيام أية ثورة مسلحة تنتهي بالنصر الأكيد إذا لم تجد متنفساً وسنداً لها في الشمال، يتيح لها نوعاً من المرونة العسكرية والتقدم والتقهقر والتموين وغيرها من العناصر الأساسية في أية ثورة”(3).

وهنا تكمن قوة الوثيقة في بعدها السياسي التحليلي الوطني التاريخي في ربطها خيار الكفاح المسلح بالقاعدة أو الخلفية السياسية الجغرافية الوطنية لانطلاقة الثورة المسلحة. ويؤكد على هذا المعنى كذلك د.أحمد عطية المصري حيث يقول “لم يكن ممكناً أن يحدث التغيير في اليمن الجنوبي، في ظل الظروف الموضوعية والذاتية إلا عبر الثورة المسلحة، لأن المنطقة كانت مجزأة، والقوات المسلحة التي كان يمكن أن تقوم بحركة إصلاحية تقليدية تستفيد منها أوسع الجماهير، بشكل أو بآخر، لم تكن مهيأة لهذا الدور الذي عرفته بعض حركات التحرر الأخرى، لأن القوات المسلحة كانت أداة قمع بيد الاستعمار والسلاطين، أحسنوا بناءها لمصلحتهم، وأحسنوا استخدام الثغرات القبلية لتأمين أي تلاحم يقوم داخلها”(4).

ومما سبق يتضح أن الإمامة لم تكن بهيئتها وهويتها الأيديولوجية والسياسية (السلالية المذهبية) في وارد أن تكون قاعدة للانطلاق في مساندة ثورة مسلحة في الجنوب ضد الاستعمار، ذلك أن الأفق السياسي والطبقي والتاريخي للإمامة لا يتوافق مع فكرة الإصلاح ناهيك عن التغيير، ولامع قضية التوحيد الوطني، إلا باعتبار التوحيد ضماً وإلحاقاً وتبعية للإمامة (مناطق خراجية وجبائية) ليس إلا. وماتزال تجربة دولة الإمامة القاسمية في علاقتها بالجنوب محفورة وشماً جارحاً، وذكرى مريرة في الوعي والوجدان التاريخي للناس في الجنوب، كما أن المسألة الوطنية اليمنية ليست حاضرةً في عقل الإمامة، قسمتهم السلطة السياسية ومزقت وحدتهم (نخب الحكم)، ووحدتهم الجغرافيا والتاريخ. ويمكننا القول إن الأفق الأيديولوجي والسياسي والطبقي للإمامة أكثر بؤساً وتخلفاً وبدائية بما لا يقاس من أفق رؤية وتفكير أمراء وسلاطين الجنوب. ومع ذلك تتمرد القبائل وينتفض الفلاحون على أوضاعهم في تلك المناطق، مطالبين بالإصلاح والثورة على الاستعمار. فقد أوردت رابطة أبناء الجنوب العربي، حول التمردات القبلية المسلحة لآل أبوبكر في العوالق ضد الاستعمار، وموقف الإمامة السلبي، بل والداعم للاستعمار البريطاني في حصار جماعة التمرد القبلي في العوالق ومنع دخول السلاح إليها، ومنع استخدام الأراضي اليمنية المتوكلية ضد الإنجليز، باتفاق بين “ترافسكس” ومندوب الإمام ومستشاره القاضي محمد بن عبدالله الشامي، عبر صفقة عقدها هذا المندوب(…). كما رفض الإمام أحمد وصول أسلحة أرسلها الرئيس جمال عبدالناصر إلى السعودية لدعم ثورة جنوب اليمن، وبقي السلاح محجوزاً في السعودية(5).

لقد أدركت حركة القوميين العرب، بحسها السياسي الثوري، وبوعيها الشعبي والوطني أن بقاء الأوضاع كما هي عليه في اليمن المحتل وما يسمى اليمن “المستقل” في ظل الإمامة يمنع التحول والتقدم في الشطرين (الشمال والجنوب). فالإمامة والاستعمار، معاً، عائقان أمام تقدم حركة الشعب اليمني للأمام. ومن هنا ضرورة شرط الإصلاح أو التغيير ليفتح الباب أمام أفق انطلاق الثورة في الجنوب المحتل. وتؤكد الوثيقة على ذلك قائلة: “إن عدم النظر إلى المنطقة كوحدة، وعدم إدراكنا للتأثير المتبادل للأوضاع فيما بين بعضهما البعض، إنما يسلب حركة نضالنا القومي طابعها الثوري، ويؤخر نجاحنا في كلا الميدانين، كما يُفقد الثورة ميزتها الكبرى و هي الانتصار الجذري الحاسم في المعركة” (6).

إن الجديد، والمثير للانتباه في وثيقة حركة القوميين العرب حول “اتحاد الإمارات المزيف” أنها تبحث وتناقش شروط الثورة، قيامها وعوامل نجاحها، قبل أن تكون نقطة الانطلاق أو القاعدة أو الخلفية الثورية قائمة وموجودة بالفعل، بل وقبل تأسيس أو تشكيل التنظيم الثوري. تتحدث الوثيقة بلغة واثقة وكأن تغيير الوضع في شمال اليمن (الإمامي) قادم لامحالة، دون أن تقول ذلك صراحة، ولكنها تلمح من بعيد إلى ذلك من خلال كثرة حديثها عن خيار الكفاح المسلح وضرورته، وأنه الخيار الحاسم الوحيد في المعركة، خاصة حين تدخل الوثيقة في بحث تفاصيل التفاصيل، حول أهمية التعبئة والإعداد لإنجاز شروط الثورة والتربية الثورية، وقضية التنظيم الثوري القومي. أما حديث الوثيقة عن إخلاص قيادة الثورة وصلابتها وكفاحيتها وكفاءتها، فيبدو وكأننا أمام مهمة سياسية، عملية كفاحية راهنة (عاجلة)ومعاصرة، وهو أمر مثير للانتباه وللإعجاب والاستغراب معاً. إنها حالة من الانغماس والانخراط في السلوك الثوري والفكر الثوري لدرجة تختلط فيها الرؤية وفقا لما هو حاصل وقائم ، كأننا – في ذلك الحين- نقرأ مهمات نضالية مباشرة مطلوبة الإنجاز في الآن واللحظة، مع أن الحديث يدور حول قضايا سياسية وكفاحية يجري التفكير فيها، وليس مطروحاً أمر تنفيذها وإنجازها السياسي والعملي. إن سؤال الكفاح المسلح طالع من روح الشعب، وتجسيد لإرادته وأحلامه وتطلعاته. على أن النخبة السياسية والثقافية في هذا البلد المستعمر أو ذاك، هي من يحمل راية هذا الشعار ويبلوره وينضجه على نار هادئة، ومن ثم يقدمه ويطرحه في مشروع رؤية نظرية وفكرية وسياسية استراتيجية شاملة ومنظمة، وفقاً لشروطه الذاتية والموضوعية الخاصة، وهي نخبة تحمل مشعل ريادة، طليعة، تحول سؤال الشعار إلى واقع، ومن إمكان إلى فعل، ومن حضور بالقوة إلى حضور بالفعل. وقد بدأ سؤال الكفاح المسلح والمقاومة المسلحة على المستوى النظري والفكري والسياسي يتشكل ويتبلور في أذهان حركة القوميين العرب في اليمن منذُ أواخر خمسينيات القرن الماضي، كما في هذه الوثيقة (…) التي حسمت فيه الحركة في اليمن موقفها من حيث المبدأ (نظرياً وسياسياً وكفاحياً) من خيار الكفاح المسلح(7).

 لقد كان هم الثورة المسلحة يشغل بال قيادة حركة القوميين العرب من فترة مبكرة، وكان المانع من إعلان قيامها عدم توفر نقطة الانطلاق والقاعدة: وليس قوة الاستعمار المادية والعسكرية، واختلال توازن القوة لصالحه، وكان الخلل والضعف في الجبهة الداخلية، أولاً: تفكك الوضع الداخلي في الجنوب وتشرذمه وانقسامه في إطار دويلات صغيرة عميلة تابعة وملحقة بالإدارة الاستعمارية، وهو أمر معلوم. وكان الضعف الأكبر ماثلاً وقائماً في ثغرة الإمامة كنظام هزيل، معزول ومتخلف، فوجوده واستمراره بشكل عام، قوة للوجود الاستعماري وليس دافعاً لمقاومته، وهو “كعب أخيل” ضعفنا الوطني، وعامل تعويق لانطلاقة الثورة المسلحة لمقاومة الاستعمار. ومع سقوط هذا الجدار القروسطي (الإمامي)، بقيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، انفتح المجال والباب واسعاً أمام إمكانيات جبارة لانطلاقة الثورة المسلحة ضد الاستعمار البريطاني من أرض شمال الوطن. فلم يمض سوى أحد عشر شهراً حتى انطلقت ثورة 14 أكتوبر 1963م من جبال ردفان، بدعم ومساندة قاعدة الثورة التي تحدثت عنها وثيقة حركة القوميين العرب باكراً وعن ضرورة وجودها لانطلاقة الثورة المسلحة. وقد أدرك الاستعمار والقوى المحلية والاقليمية خطورة هذه الثورة على استقرار أوضاعه وأوضاع كل المنطقة، فهبت جميعاً للحرب ضد ثورة 26 سبتمبر 1962م، ورأت فيها نهاية لها، وتهديداً لوجودها ولبقائها بانتشار الموجة الثورية التحررية القومية إلى أراضي “الاتحاد”. لذلك ومبكراً، تقدم المجلس الأعلى الاتحادي في مايو سنة 1963م باقتراح إلى المندوب السامي البريطاني لإعلان تاريخ الاستقلال عام 1969م، مع حق بريطانيا في تأجير القاعدة العسكرية في عدن. وقد نقل المندوب السامي -كنيدي تريفاسكس- الاقتراح إلى لندن، والذي قصد به مواجهة الموقف الذي ترتب على قيام ثورة 26سبتمبر لتخدير الشعب في الجنوب، والقيام بتطور شكلي في مواجهة أمانيه مع بقاء الاستعمار في شكله الجديد. وكان تصور حكومة عدن والاتحاد ثابتاً، يطالب بإجراء قوي ضد الثورة (8). وقد كان تشكيل الجبهة القومية وإعلانها الكفاح المسلح بنداً رئيساً في جدول أعمالها، وعنواناً لنضالها. وبالتنسيق والتكامل مع نقطة الانطلاق (القاعدة)، ودعم مصر عبدالناصر، اتسع معها خلال أقل من سنة واحدة فضاء الجغرافية الوطنية المسلحة، وتصدر اسم “الجبهة القومية” الفضاء السياسي والإعلامي، فبدأت الجبهة القومية تدريجياً تتصدر تزعم الدور السياسي القيادي للثورة في جنوب البلاد، بعد أن كان “حزب الشعب الاشتراكي”، مسنوداً ومدعوماً بالحركة العمالية، الطليعة السياسية للحركة السياسية الوطنية في جنوب البلاد. وبذلك صدقت نبوءة وثيقة حركة القوميين العرب بأن الكفاح المسلح هو الخيار السياسي الوحيد لإنجاز مهام الاستقلال وطرد الاستعمار من جنوب البلاد.

الهوامش:

1- د. محمد علي الشهاري، الخروج من نفق الاغتراب، وإحداث ثورة ثقافية في اليمن، ص26.

2- الوثيقة: حركة القوميين العرب، نقلاً عن كتاب محمد جمال باروت، حركة القوميين العرب، النشأة –التطور –المصائر، ص533، المركز العربي للدراسات الاستراتيجية، ط1، 1997م، توزيع دار المدى للثقافة والنشر، دمشق .

3- وثيقة حركة القوميين العرب، نقلاً عن محمد جمال باروت،  نفس المصدر 535.

4- د. أحمد عطية المصري، تجربة اليمن الديمقراطية 1950م-1972م، ط1، 1974م، مطبعة المدني، القاهرة.

5- قادري أحمد حيدر، كتاب الأحزاب القومية في اليمن، مصدر سابق، ص253.

6- الوثيقة، محمد جمال باروت، نفس المصدر، ص 535.

7-  قادري أحمد، كتاب، الأحزاب القومية، مصدر سابق، ص 246+247.

8-  د. أحمد عطية المصري، مرجع، ص 316.

قد يعجبك ايضا