تعز اليوم
نافذة على تعز

آخرها “منطاد الطقس” .. كيف استطاعت الصين الحصول على ما تريد من الولايات المتحدة باستخدام “القوة الذكية”

تتنامى القوة الصينية يوما بعد يوم دون أن تستخدم اي خشونة أو عمليات عسكرية أو امنية خارج حدودها ،على الرغم من الاختراقات المتكررة التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية في العمق الصين ،والتي تعاملت معها بكين بطرق اكثر دبلوماسية .

العالم – تعز اليوم:

الولايات المتحدة الأمريكية تبدو أكثر ارتباكا تجاه المنطاد الصين الذي ظل مساره أثناء رصده لحالة الطقس ،حسب تصريحات صينية .

بعد قرابة خمسة أيام من اكتشافه أسقطت طائرة مقاتلة عسكرية أمريكية ما تقول إدارة بايدن إنه منطاد تجسس صيني، بينما تصرّ بكين على أنه لم يكن سوى بالون لأبحاث الطقس، فما قصة “الضجة” الأخيرة بين الصين وأمريكا؟.

كانت تقارير أمريكية قد تحدثت، الأربعاء، 1 فبراير/شباط، عن اختراق المنطاد الصيني الأجواء الأمريكية، وهو ما أثار انتقادات عنيفة من جانب الجمهوريين لإدارة بايدن الديمقراطية، وتسبب في مزيد من التدهور في العلاقات بين الصين وأمريكا.

وقال بايدن، السبت: “لقد نجحنا في التخلص منه، وأريد أن أثني على طيارينا الذين فعلوا ذلك”، وأضاف أنه أصدر أمراً يوم الأربعاء بإسقاط المنطاد، لكن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أوصت بالانتظار حتى يمكن القيام بذلك في منطقة مفتوحة فوق المياه.

 

ماذا تقول إدارة بايدن عن المنطاد؟

منذ اللحظة الأولى، كان هناك إصرار من جانب واشنطن على أن المنطاد الصيني، الذي يحلق على ارتفاعات شاهقة تبلغ 60 ألف قدم، هو أداة تجسس صينية متقدمة، وفتح ذلك ملف التجسس المتبادَل بين البلدين وأدواته المختلفة.

وفي هذا السياق، أمرت الحكومة الأمريكية بوقف الرحلات الجوية من وإلى 3 مطارات في ساوث كارولاينا، هي ويلمنغتون وميرتل بيتش وتشارلستون، بسبب “جهود تتعلق بالأمن القومي” لم تكشف عنها، ولم يجرِ استئناف الرحلات إلا بعد إسقاط المنطاد.

وقال مسؤول عسكري أمريكي كبير إن العديد من الطائرات المقاتلة وطائرات إعادة التزود بالوقود شاركت في المهمة، لكن واحدة فقط، وهي طائرة مقاتلة من طراز إف-22، نفذت المهمة بصاروخ واحد من طراز إيه.آي.إم-9إكس. وأضاف المسؤول أن المنطاد أُسقط على بُعد 6 أميال بحرية قبالة الساحل الأمريكي.

وكان وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، أول من أعلن إسقاط المنطاد، قائلاً إن الصين استخدمته “في محاولة لمراقبة مواقع استراتيجية في الولايات المتحدة”. وذلك بعد أن كان بايدن قد قال إن الولايات المتحدة “ستتولى أمر” ما يشتبه بأنه منطاد تجسس صيني جرى تعقبه في أثناء تحليقه في سماء الولايات المتحدة، ووصفت واشنطن تحليق المنطاد بأنه “انتهاك واضح” للسيادة الأمريكية.

وبعد إسقاط المنطاد، نقل مسؤولون أمريكيون عن الجيش قوله إنه سيحاول سريعاً انتشال المكونات الرئيسية لمنطاد مراقبة صيني من بين الحطام قبالة سواحل ساوث كارولاينا، وقال مسؤول دفاعي أمريكي كبير للصحفيين “عملية الانتشال جارية، لم يتحدد بعد الوقت الذي ستستغرقه”، مضيفاً أن الحطام موجود في مياه ضحلة نسبياً. وقال مسؤول آخر إنه يتوقع ألا تستغرق عملية الانتشال أسابيع أو شهوراً، وأنها ستكون أسرع نسبياً.

بينما قال مسؤول في البنتاغون إن المنطاد لم يكن مرتبطاً بالأرصاد الجوية، بل كان منطاداً أرادت الصين استخدامه للتجسس على مواقع عسكرية حساسة. وأضاف المسؤول أن المنطاد الصيني واحد من أسطول من مناطيد المراقبة التي استخدمتها الصين للتجسس في سماء 5 قارات، مشيراً إلى أن المقاتلة الأمريكية إف-22 أسقطت المنطاد بصاروخ واحد فقط، بحسب رويترز.

 

ماذا عن وجهة نظر الصين؟

منذ اللحظة الأولى، أعلنت الصين أن المنطاد يستخدم للأرصاد الجوية المدنية والأغراض العلمية الأخرى، وأنه ضل طريقه ودخل إلى المجال الجوي للولايات المتحدة.

وعبّرت بكين عن أسفها لإسقاطه، وقالت وزارة الخارجية الصينية إن تحليق “المنطاد” فوق الولايات المتحدة كان بسبب قوة قاهرة، واتهمت الساسة ووسائل الإعلام الأمريكية باستغلال الحادث لتشويه سمعة الصين.

ووصف تقرير لصحيفة Global Times الصينية شبه الرسمية رد الفعل الأمريكي بأنه “ضجة مفتعلة”، ونقلت الصحيفة عن مسؤولين صينيين قولهم إن بكين تعتبر “الاتهامات الأمريكية لا أساس لها من الصحة وغير مقبولة”.

واعتبرت الخارجية الصينية أن إعلان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، عن تأجيل زيارة كان يفترض أن يقوم بها، الأحد، 5 فبراير/شباط إلى بكين، لا معنى له، حيث قالت الخارجية الصينية إنه لا “بكين ولا واشنطن أعلنتا عن قيام بلينكن بمثل هذه الزيارة من الأساس”.

وطالب محللون صينيون من صناع القرار في واشنطن ألا “ينساقوا خلف الصقور من أعضاء الكونغرس الذين يصدرون تصريحات عدائية تجاه بكين لتحقيق مصالح خاصة ضيقة”.

وشنّت وسائل التواصل الاجتماعي الصينية حملة سخرية واسعة تجاه الولايات المتحدة على خلفية قصة “المنطاد”، وحملت بعض التعليقات نبرة ساخرة، وقال البعض إن المنطاد كان يتنزه ويعتقد أن العالم كبير جداً ويرغب في رؤيته، بينما حث آخرون الولايات المتحدة على “احترام حرية تحليق المنطاد”، بحسب تقرير لشبكة Foxnews الأمريكية.

 

الرئيس الصيني شي جين بينغ

“إنه مجرد منطاد هوائي، فهل يتعين على أمريكا حقاً إثارة البلبلة حول لا شيء؟” هكذا جاء تعليق أحد رواد منصة “ويبو” الصينية للتواصل الاجتماعي، وسخر العديد من رواد المنصة من رد فعل الولايات المتحدة تجاه حادثة المنطاد.

كما قوبل قرار إلغاء زيارة بلينكن برد فعل فاتر من رواد “ويبو” وقراء صحيفة “الشعب اليومية” الحكومية الصينية، وقال أحد المعلقين: “سواءً أتيت أم لا، فالنتيجة واحدة، لماذا نولي اهتماماً كبيراً بهذه الدولة عديمة المنطق”، في إشارة إلى الولايات المتحدة، وكتب آخر: “فعلت خيراً بعدم مجيئك”.

 

كيف تتجسس الصين على أمريكا؟

تسببت قصة المنطاد الصيني في تأجيج أزمة دبلوماسية، لكن البلدين يجمعهما تاريخ طويل من تجسس كل دولة منهما على الأخرى. ولطالما عملت الولايات المتحدة على جمع المعلومات الاستخباراتية عن الحكومة الصينية بأساليب كثيرة، منها الاستعانة بطائرات الاستطلاع للتحليق فوق بعض الجزر التي تتنازع بكين السيادة عليها؛ وعملاء التجسس؛ واختراق الاتصالات.

ومع ذلك، فقد حرص المسؤولون الأمريكيون على التفريق بين إجراءات التجسس الخفية الأمريكية وما يصفونه بأنه تجسس أكثر وقاحة تستعمله الحكومة الصينية، بحسب تقرير لشبكة CNN International الأمريكي.

إذ يقول المسؤولون الأمريكيون إن بكين تستخدم كل الأدوات تحت تصرفها لانتزاع أفضلية استراتيجية لها على الولايات المتحدة، التي تراها أكبر منافس جيوسياسي لها. لكن المسؤولين الصينيين يقولون الشيء نفسه عن الولايات المتحدة، فقد اتهمت بكين الولايات المتحدة مراراً بالتجسس عليها.

وتنفي الصين تورط المنطاد الذي حلق فوق أراضي الولايات المتحدة في أي نوع من أوجه نشاط التجسس، قائلة إنه “منطاد مدني يُستخدم لأغراض البحث، خاصة البحث في الأرصاد الجوية”، وقد خرج عن مساره.

 

البالونات والأقمار الاصطناعية

ورصد تقرير CNN وسائل التجسس الصينية على الولايات المتحدة، وأبرزها البالونات والأقمار الاصطناعية. إذ أثار البالون الصيني الذي حلق فوق ولايات أمريكية متعددة هذا الأسبوع ضجةً كبيرة بين السياسيين الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، إلا أن الواقع أنها ليست أول مرة يُرصد فيها نشاط من هذا النوع.

فقد قال مسؤول أمريكي يوم الجمعة، 3 فبراير/شباط إن حوادث تجسس مشابهة وقعت في ولاية هاواي وجزيرة غوام التابعة للولايات المتحدة خلال السنوات الماضية. وزعم مسؤول آخر يوم الخميس، 2 فبراير/شباط أن السلطات الأمريكية “رصدت أوجه نشاط مماثلة على مدار سنوات كثيرة ماضية، ومنها محاولات تجسس في عهد هذه الإدارة”.

قال بيتر لايتون، الزميل في معهد “غريفيث آسيا” في أستراليا والضابط السابق بسلاح الجو الملكي الأسترالي، إن استخدام مناطيد التجسس يعود إلى الأيام الأولى من الحرب الباردة، فقد استخدمت الولايات المتحدة مئات منها لمراقبة خصومها.

لكن بعد أن ظهرت تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية الحديثة، وأتاحت قدرات كبيرة على جمع البيانات من الفضاء، استغنت الدول عن مناطيد المراقبة وصارت وسيلة عتيقة، أو على الأقل هذا ما كان معروفاً حتى الآن، إذ لم يتضح بعدُ السبب الذي دعا الصين إلى استخدام منطاد بدلاً من الأقمار الاصطناعية لجمع المعلومات.

ومع ذلك، فإن التطورات الحديثة في تصغير الإلكترونيات ربما تُعيد وسائل التجسس المحلقة للاستخدام ضمن أدوات التجسس الحديثة. وفي هذا السياق، قال لايتون: “حمولات المنطاد يمكن تقليل وزنها، ومن ثم تصبح المناطيد أصغر حجماً وأرخص تكلفةً وأسهل في الإطلاق” من الأقمار الاصطناعية.

 

أبراج الهواتف المحمولة

تضم قاعدة “مالمستروم” الجوية الأمريكية بولاية مونتانا أكثر من 100 صاروخ “مينتمان 3” باليستي عابر للقارات في صوامع صواريخ مدفونة في أعماق الأرض. وهذه الصواريخ قادرة على حمل رؤوس حربية نووية لمدى يصل إلى 10 آلاف كيلومتر.

ترتفع بين هذه الصوامع مجموعات من أبراج الهواتف المحمولة التي تديرها شركة اتصالات لاسلكية ريفية صغيرة. وتشير بيانات لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية إلى أن هذه الأبراج الخلوية تستخدم تكنولوجيا صينية، حذَّر خبراء الأمن في السنوات الماضية من أنها قد تُتيح للصين جمع المعلومات الاستخبارية، وشنِّ هجمات على شبكة الاتصالات في المناطق المحيطة بهذه المنشأة وغيرها من المنشآت العسكرية الحساسة.

شاركت “هواوي” الصينية في تصنيع تكنولوجيا الأبراج، وكان ذلك أحد الأسباب التي دعت شركات الاتصالات الأمريكية الكبرى والحكومة الفيدرالية إلى تجنُّبها ضمن مقتضيات الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي.

ومع ذلك، ما زالت التقنيات الصينية واسعة الانتشار، وتعتمد عليها كثير من شركات الاتصالات اللاسلكية الصغيرة المدعومة من الحكومة الأمريكية، حيث تشتري تلك الشركات أجهزة صينية رخيصة الثمن لتركيبها فوق أبراجها الخلوية. وذكرت شبكة CNN من قبل أن هذه الأبراج الخلوية توفر التغطية الحصرية لشبكة الاتصالات في بعض المناطق الريفية القريبة من قواعد عسكرية أمريكية.

في عام 2018، حذّر رؤساء وكالات الاستخبارات الأمريكية الكبرى -مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية- من استخدام أجهزة شركة هواوي ومنتجاتها. ويقول خبراء الأمن إن نشر تقنيات الشركة الصينية بالقرب من ترسانة الولايات المتحدة من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات يحمل تهديدات أكبر بكثير.

 

شراء الأراضي

عرضت الحكومة الصينية في عام 2017 إنفاق 100 مليون دولار لبناء حديقة صينية منمَّقة في “المشتل الأمريكي الوطني” بالعاصمة واشنطن. وتضمن بناء الحديقة تزيينها بالأعمدة والسرادق وتمثال باغودا في القلب منها، ما أثار إعجاب المسؤولين المحليين، الذين أملوا في أن يجتذب المكان آلاف السياح كل عام.

لكن لما بدأ مسؤولو الاستخبارات الأمريكية في التفتيش بتفاصيل الأمر، تبين لهم أن تخطيط البناء يتضمن رفع الكثير من الأعلام الحمراء وأن تمثال باغودا يُراد إقامته في موقع استراتيجي بإحدى أعلى المناطق بالعاصمة واشنطن، وعلى بعد بضعة كيلومترات فقط من مبنى الكابيتول الأمريكي، ما يعني أنه موقع مثالي لجمع المعلومات الاستخباراتية.

وقالت المصادر إن المسؤولين الصينيين أرادوا بناء تمثال باغودا بمواد تُشحن من الصين إلى الولايات المتحدة في حقائب دبلوماسية، ومن ثم مُنع مسؤولو الجمارك من فحصها، إلا أن المسؤولين الأمريكيين ألغوا المشروع قبل بدايته.

كان مشروع الحديقة واحداً من مشروعات صينية كثيرة لفتت انتباه مكتب التحقيقات الفيدرالي والوكالات الاستخباراتية الأخرى ضمن ما يصفه مسؤولو الأمن الأمريكيون بأنه تصعيد كبير لنشاط التجسس الصيني على الأراضي الأمريكية على مدى العقد الماضي.

منذ عام 2017، حقق مسؤولون فيدراليون أمريكيون في عدة صفقات اشترت فيها جهات صينية أراضي بالقرب من منشآت أمريكية للبنية التحتية، وأغلقوا قنصلية صينية بناء على اتهام لها بأنها مرتع للجواسيس الصينيين، وأوقفوا مساعي صينية لزرع أجهزة تنصت بالقرب من منشآت عسكرية وحكومية أمريكية حساسة.

 

الطلاب ورجال الأعمال والعلماء

نقلت شبكة CNN عن مسؤولين حاليين وسابقين في الاستخبارات الأمريكية ونواب بالكونغرس وخبراء أمنيين، تصريحات بأن بكين اعتمدت على علماء صينيين مغتربين ورجال أعمال وطلاب لجمع المعلومات عن الولايات المتحدة.

وفي سياق الاتهام بالتجسس، أجرت وكالات الاستخبارات الأمريكية عمليات اعتقال لشخصيات معروفة، وحُكم على طالب دراسات عليا سابق في ولاية شيكاغو بالسجن 8 سنوات بتهمة التجسس لمصلحة الحكومة الصينية وجمعِ المعلومات عن مهندسين وعلماء في الولايات المتحدة.

ألقت السلطات الأمريكية القبضَ على جي شاوكون، وهو مواطن صيني جاء إلى الولايات المتحدة لدراسة الهندسة الكهربائية بمعهدِ إلينوي للتكنولوجيا عام 2013، والتحق بالتجنيد بالجيش الأمريكي عام 2018. وقد أُدين في سبتمبر/أيلول الماضي بمخالفة القانون والعمالة لوزارة أمن الدولة الصينية، والتقدم ببيانات مزورة للجيش الأمريكي.

وقالت وزارة العدل الأمريكية إن جي كان مكلفاً بتزويد ضباط الاستخبارات الصينيين بمعلومات عن السير الذاتية لزملائه من أجل تجنيدهم للتجسس. وزعمت الوزارة أن جي كان حلقة في مساعي الاستخبارات الصينية للتجسس على تقنيات الفضاء والأقمار الاصطناعية المتقدمة التي تطورها الشركات الأمريكية.

وأصدرت محكمة عسكرية أمريكية العام الماضي حكماً بالسجن مدة 20 عاماً على ضابط استخبارات يُدعى “شو”، بتهمة التآمر لسرقة أسرار تجارية من شركات طيران وفضاء أمريكية. وكان شو أول جاسوس صيني يُسلّم إلى الولايات المتحدة لمحاكمته، بعد أن احتجزته السلطات البلجيكية عام 2018 بناء على معلومات من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي.

نقلا عن موقع عرب بوست

قد يعجبك ايضا