الفساد في تعز شبّ عن الطوق، وأصبح أكبر من قدرة أي طرف أو شخص أو جماعة على إصلاحه، بما في ذلك المجتمع والسلطة.
فكيف إذا كان الحال أن السلطة هي من تغذي الفساد وتتغذى منه، حتى أصبح الفساد والسلطة تكويناً عضوياً واحداً، فإسقاط الفساد يعني سقوط السلطة، وإسقاط السلطة، يعني سقوط الفساد؟!
علينا الاعتراف أن هذا الفساد قد ترعرع خلال سنوات طويلة حتى وصل إلى هذا الحد، وبتواطؤ من الجميع تقريباً، بمن فيهم هذا المجتمع الغاضب الذي يطالب باستئصال الفساد والإبقاء على السلطة العسكرية والمحلية في نفس الوقت.
فيما يتناسى أن الفساد في عمق تكوين هذه السلطة، بل وربما كان الدافع الأول لبقائها حتى اليوم، إذ لو انتهى هذا الفساد لما وجد هؤلاء المسؤولون والقادة والضباط حافزاً يغريهم للبقاء في مناصبهم ولتركوها ورحلوا..!
إن مطالبتك للسلطة الفاسدة بأن تكافح الفساد، يشبه مطالبتك للذئب بأن يصبح نباتياً، شيء ضد المنطق وطبيعة الأشياء… قد يقول البعض، نريد من الأجهزة الرقابية والقضاء القيام بدورهما، وسيرد الواقع، هذه الأجهزة أيضاً إما فاسدة أو عاجزة، وفي كل الأحوال فإن التعويل المُرسل عليها لا جدوى منه!
إذن ما الحل؟!
لا أظن أن من المنطق الاعتقاد بأن مشكلة الفساد التي تفاقمت وتضخمت في سنوات يمكن أن نجد لها حلاً في يومٍ واحد. ناهيك عن أن أي حلول محتملة، ستتطلب وقتاً وجهداً وتنظيماً وتكاتفاً من الجميع، ولا أظن أننا مستعدون – جميعاً – لبذل الجهد أو التكاتف أو تنظيم عملنا، فنحن كسالى ومتناحرون وفوضويون.
ومع ذلك، أمامنا خيارين لا أرى ثالثاً لهما:
إما ثورة شاملة ضد منظومة الفساد القائمة، وهذا يعني سقوط السلطة فيما لو قامت ثورة شعبية من هذا النوع وكتب لها النجاح “وغالباً لن تحدث أي ثورة كهذه إلا ثورة الجياع وما يزال الوقت مبكراً للحديث عنها”.
وفي هذه الحالة، سندخل في حالة من الفوضى وفراغ السلطة وانهيار ما تبقى من هلام المؤسسات وقد تسقط تعز بيد الحوثي أو غيره من القوى المسلحة!
أو أن نصبر على هذا الجحيم، وندفع ثمن أخطائنا، طبعاً بعد أن نسترجعها ونعترف بها علانيةً أمام بعضنا البعض، ونتوب عنها وعن التواطؤ مع الفاسدين والفشلة والقتلة ومرتكبي الجرائم والانتهاكات واللصوص، بل ونعريهم ونوعي المجتمع بكل خطأ أو فساد ارتكب ويرتكب ليكون الجميع على بينه ولنثبت صدق نوايانا.
ربما إذا تبنا وصارحنا أنفسنا وبعضنا البعض، وراجعنا أخطاءنا، واعدنا قراءة الوضع بشكل صحيح ودقيق وبأمانة ومصداقية مع ضمائرنا، ربما نتمكن في مرحلة قادمة من تصحيح الأوضاع أو تغييرها، بعد أن نوجه طاقتنا وإمكانياتنا في المعركة الحقيقية مع الخصوم الحقيقيين. وبأهداف محددة واضحة ومحل إجماع والتزام من الجميع، نسعى لتحقيقها ونخلص في ذلك.
بغير هذا لا أتصور أي حلول للوضع الراهن، وأرى أن كل انتفاضة تهدف لإصلاح المنظومة، ليست سوى تنفيس عن الكبت وهدر للجهود والطاقات والموارد.. وقد تعود بنتائج عكسية على الناس وقضاياهم.ش