طوفان الأقصى تصعيد ثوري لاستمرار روح المقاومة الفلسطينية

عبد الملك الشرعبي-“تدوين حر”:

الهوية الوطنية القائمة على أيديولوجية التمسك بجذور الانتماء الجغرافي للوطن الأم، والإلمام الشامل بكل المبادئ والثوابت القومية المقدسة، والتي تنعكس في مناهضة الإمبريالية الداحضة للسيادة الوطنية. وما تقدمه حركة المقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها المختلفة تعد نموذجًا لحركة التحرر الوطني المدافعة عن قضيتها التحررية المشروعة.

ونظرًا للجذور التاريخية لصراع العربي الإسرائيلي، تأتي عملية طوفان الأقصى عقب أحداث تاريخية دامية في تاريخ الانتفاضة الفلسطينية، وتؤكد على استمراريتها وإعادة روح المقاومة الشعبية بطاقتها الثورية العالية، فرغم ضخامة قوة العدو الإسرائيلي بأحدث الأسلحة المتطورة والدعم المادي واللوجستي من قبل الدول الغربية الكبرى، والمتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، فاقت عملية طوفان الأقصى بضربة خاطفة تلك القوة العتيدة، والتهمت شراسة العدو الإسرائيلي في استهداف ثكناتهم وقواعدهم العسكرية، وإيقاعهم في خسارة مادية وموارد بشرية تجرعوا منها كؤوس مرارة المنية البشعة من ضربات المقاومة العربية وبقتال رجال الانتفاضة الفلسطينية بصلابتهم الفولاذية التي تجاوزت حتى الجدران العازلة.

ومنذ مؤتمر بازل ١٨٩٧ بقيادة هرتزل النمساوي زعيم الصهيونية، والمخطط الأول للبحث عن موطن أصلي لليهود، واختلاق مبررات تاريخية صورية ليس لها أية صلة بالموطن القومي لليهود باختيار فلسطين الأرض التي وقعت أعينهم عليها.

ومع بداية الهجرات اليهودية إلى فلسطين، ومحاولة اليهود بناء مستعمراتهم عليها، أدرك الفلسطينيون خطورة ذلك من خلال بداية السيطرة اليهودية على المزارع، وإغراء التجار والمزارعين بأموال طائلة في بيع أراضيهم، وتشكيل مؤسسات خاصة بهم، والانفصال عن العرب ثقافيًا واجتماعيًا، ومع تشكيل الفيلق اليهودي أثناء الحرب العالمية الأولى، والقتال في صفوف القوات البريطانية ضد العثمانيين، حتى الحصول على “وعد بالفور” الذي يشرع بأحقية بناء دولة لليهود في فلسطين، وتضاعف أعداد المهاجرين اليهود إلى أراضيها، والاشتغال التجاري بالسوق في حيفا، الأمر الذي أدى إلى انتفاضة ١٩٢١ بخروج مجموعة من المقاتلين الفلسطينيين، والهجوم على المحلات التجارية لليهود والأحياء السكنية، والدخول في احتدام مع اليهود، الأمر الذي أخاف سلطة الانتداب البريطانية، وأمرت بسرعة إيقاف العراك بقيادة لجنة “هيكرافت”.

وكان من مطالب الشعب الفلسطيني إيقاف الهجرة اليهودية، وإلغاء وعد بالفور، وكما يسميها بن غريون مجزرة ١٩٢١. حتى تلتها معركة الصراع على حائط المبكى ١٩٢٨، الذي يراه اليهود بأنه أحد معاقل اليهود المقدسة، فيما يسميه المسلمون العرب “حائط البراق” نسبة لجواد الرسول صلى الله عليه وسلم، وبأنه عرج به من هناك إلى السماء، وهو حق شرعي لملكيتهم له قانونيًا وجغرافيًا وتاريخيًا لا جدال فيه.

وصولًا إلى الثورة العربية الكبرى عام ١٩٣٥، بقيادة زعيم المقاومة الثورية عز الدين القسام الذي رأى أن الثورة هي الأمر الحاسم لإيقاف الهجرة اليهودية التي تزايدت، ولاحظ أن اليهود أصبحوا يملكون أراضي زراعية واسعة، وهو ما يهدد بتحقيق حلمهم في بناء دولتهم المستقلة في فلسطين، حتى قتل شهيدًا من قبل المخابرات البريطانية، مخلفًا مدرسة ثورية نضالية استمر تأججها الى ثورة ١٩٣٦-٢٩٣٨، والذي استطاع بها العرب الفلسطينيون من مقاومة الاحتلال البريطاني وإخراج المهاجرين اليهود من طبريا وحيفا ويافا وبئر السبع ونابلس وبيت لحم والجليل، وغيرها من المدن الفلسطينية، حتى اضطرت بريطانيا لإعادة احتلال البلاد من جديد عن طريق الإنزال الجوي وإعادة المهاجرين اليهود، ومساعدتهم على إنشاء موطنهم في فلسطين، ويثبت ذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة، رفعت بريطانيا قضية الصراع العربي اليهودي إلى الأمم المتحدة التي شرعت بقرار تقسيم فلسطين إلى دولتين؛ دولة عربية ودولة بهودية، ما أدى إلى استثارة المشاعر القومية للشعب الفلسطيني، مولدة ثورة عربية حينها، لكن الضعف المادي للمقاومة الفلسطينية مع تخاذل الأنظمة الملكية العربية في تقديم العون والمساعدة لها، سهل للقوات البريطانية والمهاجرين اليهود سرعة إخمادها ومواصلة مشوار المخطط الإمبريالي في تهجير الفلسطينيين من المدن التي أقر التقسيم بأنها تابعة لليهود حتى إعلان دولتهم عام ١٩٤٨.

ولعبت حركة المقاومة الفلسطينية ومنها حركة فتح التي تنتظم في إطار “منظمة التحرير الفلسطينية”، منذ خمسينيات القرن الماضي، تليها حركة حماس وجناحها العسكري “كتائب الشهيد القسام”، منذ تأسييها في نهايات ثمانينيات القرن الماضي، في تقديم مواقف نضالية، وتنفيذ العمليات الفدائية الجهادية في مواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.

وتشير ردة الفعل الإسرائيلية عقب عملية طوفان الأقصى، إلى مدى التأثير الذي انتاب قواتهم، وعمق إدراكهم بسالة وعزيمة المقاومة الفلسطينية بأنها لم تزل حية لم يتوقف نبضها في عشق الحرية، وذات نفس طويل تسلك عليه دروب النضال لاستعادة كرامتها العربية، وبذلك تكون العلة التي دفعت قوة الاحتلال لاستخدام أحدث أدوات أسلحة الحرب المتطورة، وإمطار الأحياء السكنية في غزة بوابل من الصواريخ والقنابل والمتفجرات، بهدف إخماد جذوة المقاومة الفلسطينية التي تبشر بالتحول الثوري وتحقيق الاستقلال الذاتي للأرض المقدسة.