لماذا عجزت الحكومة اليمنية عن إيقاف تدهور العملة المحلية؟
متابعات_ “تعز اليوم”:
رغم التدهور المتسارع للعملة المحلية خلال الأشهر الأخيرة، وما يترتب على ذلك من ارتفاع في الأسعار وتدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين، وأيضا ارتفاع رسوم الحوالات المالية من المحافظات المحررة إلى مناطق سيطرة الحوثيين، إلا أن الحكومة الشرعية عجزت عن اتخاذ إجراءات لإيقاف تدهور العملة والتخفيف من الأزمة المعيشية، وكل الحلول التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي في هذا السياق لم يكن لها أي أثر، ولم ترقَ حتى إلى مستوى الحلول الترقيعية، ويبدو أن البنك المركزي في عدن قد استنزف ما توهّم أنها حلول عاجلة لأزمة عميقة، وأسبابها متعددة وواضحة.
وازدادت حدة الغضب الشعبي إزاء التدهور المتسارع للعملة المحلية، وتعددت الأعباء التي تثقل كاهل المواطنين، ولم تعد تقتصر على ارتفاع الأسعار فقط، وإنما تشمل أيضا انعدام بعض السلع الأساسية في بعض المحافظات، مثل الغاز المنزلي والمشتقات النفطية، كما أن أسعار المواد الغذائية الأساسية، مثل: القمح والدقيق والسكر والأرز وزيت الطبخ، ارتفعت إلى مستويات خيالية تفوق نسبة ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية أمام العملة المحلية، مما ينذر بكارثة معيشية مقبلة، حيث أصبحت البلاد على هاوية المجاعة، وما لم تسارع الحكومة إلى اتخاذ حلول جذرية، فلا شك أن القادم أسوأ بكثير مما هو حاصل اليوم.
حلول لم تلامس جوهر الأزمة
منذ بدء الحرب، تراكمت العديد من العوامل التي أدت إلى انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وبدلا من أن تبحث الحكومة الشرعية عن أسباب ذلك الانهيار، وعلى ضوئه تتخذ الحلول المناسبة، إلا أن بعض الحلول زادت من اتساع المأساة، كما حدث في يوليو الماضي، عندما أعلن البنك المركزي في العاصمة المؤقتة (عدن) اتخاذه قرارات لمعالجة ما وصفها بـ”تشوهات العملة الوطنية”، وكان أهم ما أعلنه حينها هو ضخ كميات جديدة من العملة المحلية فئة ألف ريال ذات الحجم الكبير، ودعا إلى تكثيف التداول بها في السوق، ويهدف البنك من ذلك إلى حل مشكلة منع الحوثيين تداول الطبعات الجديدة من العملة المحلية في مناطق سيطرتهم، وما نتج عن ذلك من تباين في أسعار الصرف وزيادة رسوم الحوالات المالية من المحافظات المحررة إلى مناطق سيطرة الحوثيين.
وذكر البنك المركزي -في بيان له حينها- أنه أقر اتخاذ إجراءات منظّمة لخفض حجم المعروض النّقدي وإبقائه في المستويات المقبولة والمتوافقة كميا مع حاجة السوق لها، وأكد أنه اتخذ الإجراءات المذكورة بناءً على ما وصفها البيان بـ”الدراسات التي أعدها الخبراء المختصون في البنك” للحد من أي آثار تضخمية وانعكاسها سلبا على قيمة العملة المحلية في عموم السوق اليمنية ومختلف المناطق، ولفت البنك إلى أنه سيلزم البنوك ومؤسسات التحويل والصرافة -خلال فترة قريبة مقبلة- بوقف فرض عمولات جزافية، وغير واقعية للتحويلات المالية بين مختلف مناطق البلاد، بدواعي التمييز السعري بين فئات العملة المحلية الواحدة، محذرا من أن البنوك ومؤسسات الصرافة ستتعرض عند مخالفتها لعقوبات مشددة يقررها البنك في هذا الشأن.
وبما أنه بعد تلك الإجراءات، التي أعلنها البنك المركزي في عدن، ازداد تدهور العملة المحلية أكثر من ذي قبل، فإن ذلك يؤكد أحد شيئين: إما أن من يديرون البنك المركزي ليس لديهم أي خبرات بشؤون المال والاقتصاد، أو أن لديهم خبرات لكنهم يوظفونها لإحداث مزيد من التدهور للعملة المحلية بالاتفاق مع طرف آخر أو بتوجيه منه، لعلّه التحالف السعودي – الإماراتي، كونه (التحالف) سبق أن صادر القرار الاقتصادي للحكومة اليمنية الشرعية مثلما صادر قرارها السياسي والعسكري، واتخذ إجراءات عملية منذ بداية الحرب لإنهاك الاقتصاد الوطني وتدهور العملة المحلية، مثل تعطيل موارد البلاد بمنع الحكومة من تصدير النفط والغاز، وغير ذلك.
أما بخصوص النتائج العكسية لإجراءات البنك المركزي المذكورة، حيث ازدادت أسعار صرف العملات الأجنبية أمام العملة المحلية، وازدادت رسوم التحويلات المالية من المحافظات المحررة إلى مناطق سيطرة الحوثيين، فإن ذلك يعود إلى الإجراءات الخاطئة التي اتخذها البنك، حيث “داواها بالتي كانت هي الداء”، ذلك أن السبب الرئيسي لانهيار العملة المحلية يعود إلى طباعة كميات كبيرة منها بدون غطاء من العملات الأجنبية أو الذّهب، ومع ذلك كرر البنك أخطاءه السابقة نفسها بطباعة كميات جديدة من العملة المحلية، وزاد أن ناقض نفسه، وفق البيان الصادر عنه حينها بهذا الخصوص، عندما ذكر أنه أقرَّ اتخاذ إجراءات منظّمة لخفض حجم المعروض النّقدي وإبقائه في المستويات المقبولة، فكيف إذن يمكن التوفيق بين إجراءات البنك بضخ كميات جديدة من العملة من جهة وخفض المعروض النّقدي من جهة ثانية؟
وإذا كان البنك المركزي في عدن يهدف من طباعة كميات جديدة من العملة المحلية بالحجم الكبير إلى إصلاح التشوّهات في قيمتها، والتحايل على الحوثيين بمنعهم تداول الطبعات الجديدة ذات الحجم الصغير في مناطق سيطرتهم، وإنهاء مشكلة رسوم التحويلات المالية التي تلتهم نصف المبالغ المحوّلة، فقد اتخذ الحوثيون إجراءً مضاداً بأن منعوا تداول العملة ذات الحجم الكبير التي يبدأ رقمها التسلسلي بحرف “الدال”، ورد عليهم البنك المركزي بضخ كميات جديدة بطبعة عام 2017 نفسها، وبالرموز التسلسلية نفسها، لكن الحوثيين لم يعدموا حيلة للرّد على ذلك بأن منعوا أي مواطن قادم من المحافظات المحررة إلى مناطق سيطرتهم من أن يحمل معه مبلغاً يتجاوز مئة ألف ريال، ونهبوا الملايين من أموال المسافرين الذين يحملون معهم أي مبلغ يتجاوز المئة ألف ريال المسموح بها، وهكذا دخل البنك المركزي في حرب عملات مع الحوثيين بدون تحقيق نتائج تُذكر، بل فقد ازدادت العملة المحلية تدهوراً بسبب توالي الطبعات الجديدة بدون غطاء من النقد الأجنبي، وبدون تفعيل موارد البلاد التي عطّلها التحالف.
وفي حين يتواصل تدهور العملة المحلية إلى مستويات مفزعة، فإن البنك المركزي في عدن يواصل اتخاذ إجراءات لم تلامس جوهر الأزمة، ومن ذلك أنه -في أواخر سبتمبر الماضي- وافق على مقترح جمعية الصرافين في عدن بإغلاق شركات ومنشآت الصرافة المخالفة للوائحه، وذكر في بيان لاحق أنه سينفذ حملة تفتيش واسعة في قطاعي البنوك والصرافة، لضبط ما وصفه بالانفلات في سوق صرف النّقد، ووقف العبث والمضاربات غير المشروعة بالعملة المحلية في سوق الصرف، وبدأ البنك بعد ذلك بإغلاق بعض محال ومؤسسات الصرافة في عدد من المحافظات المحررة، التي وصفها بأنها مخالفة للوائح وقوانين البنك، واتهمها بالمضاربة بالعملة، ومع ذلك لم يحدث أي تحسّن في أسعار الصرف.
وفي بداية نوفمبر الجاري، أعلن البنك المركزي البدء في تطبيق نظام مزادات بيع وشراء العملات الأجنبية عبر منصات إلكترونية، وتطبيقات دولية متقدّمة، لمواجهة اضطرابات آليات العمل بسوق النّقد، وتخفيف الضغط على شراء العملات الصعبة من السوق، مما يتسبب في التدهور المتسارع للعملة المحلية حاليا، لكن كل الحلول والإجراءات التي اتخذها البنك المركزي في عدن لم تفضِ إلى نتائج ملموسة، وما زالت العملة المحلية تتدهور بشكل شبه يومي، وهو ما يعني فشل كل الحلول والإجراءات التي اتخذها.
ما أسباب الفشل؟
يتمثل السبب الرئيسي لفشل الحكومة الشرعية في إيقاف تدهور العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، في أن جميع الحلول التي اتخذتها الحكومة أو البنك المركزي في العاصمة المؤقتة (عدن) لم تلامس جوهر الأزمة، وهي أزمة عميقة ومتراكمة ولها أسباب عدّة، تبدأ من نهب الحوثيين الاحتياطي من النّقدي الأجنبي في البنك المركزي بصنعاء قبل نقله إلى عدن، وتعطيل التحالف السعودي – الإماراتي الموارد الرئيسية للبلاد، ووجدت الحكومة نفسها أمام استحقاقات يجب عليها الإيفاء بها، مثل دفع رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، ولم يكن أمامها من حل سوى طباعة كميات كبيرة من العملة المحلية بدون غطاء من النّقد الأجنبي، وبدون موارد ترفد خزينة الدولة بالعملات الأجنبية، مما تسبب بتراكم التضخم النّقدي، كنتيجة لتراكم فشل السياسة المالية للحكومة، وفشل السياسة النقدية للبنك المركزي في العاصمة المؤقتة (عدن).
لا شك أن ظروف الحرب وتعطيل التحالف السعودي- الإماراتي موارد البلاد من الأسباب الرئيسية لفشل السياسة المالية للحكومة اليمنية، لكن لا يمكن إعفاء الحكومة من القيام بواجبها في مثل هكذا ظروف حرجة، حيث تخلّت عن أداء وظائفها الرئيسية ذات الصلة، مثل: إدارة النشاط الاقتصادي، والتصدير، والعمل على خلق توازن في ميزان المدفوعات، بحيث لا تكون الواردات أكثر بكثير من الصادرات، كما أنها لم تعترض على التحالف لتعطيله الموارد الرئيسية للبلاد.
نقلا عن موقع “قناة بلقيس”.