تعز اليوم
نافذة على تعز

اليمن.. مهد الحضارات الذي ينتظر متحفاً يليق بتاريخه

“تدوين حر”- أيوب أحمد هادي:

بينما كان العالم بأسره يشاهد باهتمام بالغ الافتتاح المهيب للمتحف المصري الكبير،ذلك الصرح العملاق الذي يجسد عظمة الحضارة الفرعونية ويحتضن آلاف القطع الأثرية تحت سقف واحد، تطفو على سطح الوجدان اليمني أسئلة محيرة ومؤلمة في آن واحد: أين نحن أبناء حضارات سبأ وحمير ومعين وقتبان وحضرموت من متحفنا العظيم؟ أليس اليمن، الذي تفخر البشرية جمعاء بكونه مهداً لأعظم الحضارات الإنسانية الأولى، أحق بأن يمتلك صرحاً ثقافياً يليق بمكانته التاريخية؟

 

 اليمن.. أصل الحضارات ومجد الممالك القديمة

لم تكن اليمن مجرد نقطة على الخريطة،بل كانت قلب العالم النابض بالتجارة والثقافة والمعرفة. على أرضها قامت مملكة سبأ العظيمة، التي ذكرت في الكتب المقدسة، واشتهرت بسدها الشهير ومعابدها الفاخرة وتجارتها التي كانت تصل إلى أقاصي الأرض. ولم تكن سبأ وحدها، فقد تناوب على حكم هذه الأرض المباركة مملكة معين التي سيطرت على طرق التجارة وامتد نفوذها إلى شمال الجزيرة العربية، ومملكة قتبان ، ومملكة حمير التي وحدت اليمن وامتدت سلطتها، ومملكة حضرموت التي كانت شرياناً حيوياً في التجارة العالمية. هذه الحضارات لم تكن منعزلة، بل تفاعلت مع العالم من حولها، وتركت إرثاً معمارياً ولغوياً وقانونياً مذهلاً، تشهد عليه نقوش المسند وخرائب المدن القديمة وبقايا من التحف والتماثيل.

 

 إرث منهوب.. ووعي مغيب

لكن هذا المجد التليد يقابله واقع مرير.فبدلاً من أن تكون هذه الآثار النفيسة محفوظة في متاحف صنعاء أو مأرب أو شبوة، نجدها معروضة في متاحف لندن وباريس وبرلين وروما. لقد تعرضت غالبية القطع الأثرية اليمنية عبر عقود طويلة للسلب والنهب المنظم، في ظل غياب الرقابة والوعي بأهمية هذا الإرث. وهذا ليس ضربة حظ، بل هو نتيجة طبيعية لوعي ناقص ممن توالوا على حكم اليمن طيلة خمسة عقود، كان شغلهم الشاغل كل شيء إلا الحفاظ على الهوية التاريخية للبلاد. لقد كان هناك تفريط متعمد وإهمال مقصود لهويتنا، مما جعل إرث أجدادنا غنيمة سهلة للعابثين والمتجارين والمستشرقين.

 

نحو مستقبل يليق بالماضي

اليوم،ونحن نشاهد جيراننا يحتفلون بتاريخهم، يحق لنا أن نتساءل: متى يحين دور اليمن؟ متى سنرى متحفاً يمنياً كبيراً يضاهي المتحف المصري الكبير، يجمع شتات هذا الإرث الحضاري المبعثر، ليس فقط لحفظه، بل ليصبح منارة للعلماء والسياح من جميع أنحاء العالم؟

إن الإجابة على هذا السؤال تقع على عاتق الحكومة اليمنية الحالية والمستقبلية.فالبداية يجب أن تكون من:

 

.تعزيز الحماية القانونية والميدانية للمواقع الأثرية ووضع حد لتهريب الآثار.

. توثيق الإرث من خلال إنشاء قاعدة بيانات وطنية شاملة لكل القطع الأثرية اليمنية داخل البلاد وخارجها.

. السعي الجاد عبر القنوات الدبلوماسية والقانونية لإعادة الآثار اليمنية المسروقة.

. البدء في التخطيط لإنشاء “المتحف اليمني العظيم” كأولوية وطنية، برؤية طموحة وتمويل مناسب.

 

اليمن ليست مجرد دولة،إنها تاريخ حي، وذاكرة للإنسانية. إن إنشاء متحف يليق بهذا التاريخ ليس رفاهية، بل هو واجب وطني وديني وأخلاقي. إنه استثمار في الهوية، وفي الاقتصاد، وفي مستقبل الأجيال القادمة. يوم يحتفي المصريون بفراعنتهم، يجب أن يذكرنا بأن أحفاد سبأ ومعين وحمير أحق بأن يقفوا فخورين بإرث أجدادهم. فاليمن تستحق أكثر من مجرد ذكرى في الكتب، تستحق متحفاً يروي للعالم كله: من هنا بدأ التاريخ.

قد يعجبك ايضا