عبر أكثر من 30 عاماً عاشت الولايات المتحدة الأمريكية، تظاهرات ضخمة صاحبها العنف، رداً على الأحداث العنصرية التي ما تفتأ تتكرّر كل حين وبصورة أقرب إلى النسخ الكربونية، لا تمر هذه الاحتجاجات الغاضبة قطعاً دون تدمير وتخريب للممتلكات بل وسقوط ضحايا قبل أن تتمكّن السلطات من السيطرة عليها.
منوعات – الاحتجاجات الامريكية – تعز اليوم :
لم تكن الاحتجاجات الراهنة على مقتل الأمريكي الأسود جورج فلويد حدثاً مفاجئاً بل امتداد لتاريخ حافل، بيد أنّ ما يميّز التظاهرات الراهنة أنّها تأتي في ظل ظروف استثنائية تتمثّل في جائحة كورونا والتي لم تفلح في تطويق غضب قطاعات واسعة من الشعب الأمريكي على الحادث المأساوي.
فجّر مقتل فلويد غضباً عارماً تمظهر بتظاهرات لا تهدأ في جل المدن الأمريكية، لقد صدم مقطع الفيديو الذي وثّق آخر لحظات فلويد وهو يئن تحت ركبة الشرطي وتوسلاته: «لا أستطيع التنفّس». كما النار في الهشيم انتقلت الاحتجاجات من مدينة إلى أخرى فيما كانت الشرارة من مينيابوليس وسانت بول.
ورغم قسوة الحادث العنصري الذي أشعل مشاعر الغضب، إلّا أنّه لم يكن الأول بل امتداد للكثير من الأحداث العنصرية التي هزّت ضمير المجتمع الأمريكي كثيراً دون أن تجد رادعاً يلجمها، فيما مثّل السود جل ضحاياها.
وُصفت أحداث لوس أنجليس في العام 1992 بأنّها الأسوأ منذ عقود والتي اندلعت في 29 أبريل واستمرت ستة أيام، إثر فيديو يُظهر أربعة من رجال الشرطة يضربون سائق سيارة أجرة أسود، بعد تجاوزه السرعة المسموح بها، فيما تسبّبت تبرئة المحكمة لرجال الشرطة في موجة عارمة من التظاهرات شملت كل المدن الأمريكية، ما فّجر موجة عنف خلّفت 53 قتيلاً وخسائر بنحو مليار دولار، بعد تدخّل الحرس الوطني ثم الجيش وقوات البحرية، فيما كانت أبرز نتائجها عمليات عقاب جماعي في شرطة لوس أنجليس وزيادة عدد ضباط الشرطة من الأقليات وتحليل لاستخدام القوة المفرطة، وتقديم قائد الشرطة استقالته، وفقدان رئيس البلدية التأييد الشعبي.
لم تمر سوى سنوات أربع حتى عادت الاحتجاجات الواسعة مجدداً إلى سطح المشهد، انطلاقاً من مدينة سانت بطرسبرغ في ولاية فلوريدا، رداً على مقتل شاب أسود غير مسلح على يد الشرطة، ولم ينجح استدعاء التعزيزات من مكافحة الشغب، واستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع في إسكات التظاهرات التي ما لبثت أن تحوّلت إلى مواجهات وأعمال عنف أُحرقت خلالها الكثير من المتاجر وإشعال النيران في مراكز الشرطة، فيما لم تهدأ الأوضاع إلّا بعد تعهّد إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بالعدالة، إلّا أنّ الهدوء كان مؤقتاً بعد إعلان هيئة المحلفين الكبرى، أن الضابط القاتل تصرف دفاعاً عن النفس ولم يخرق أي قوانين جنائية، الأمر الذي أدى إلى اندلاع أعمال الشغب مرة أخرى في سانت بيت اُعتقل على أثرها العشرات.
وفيما استدعى ازدياد التظاهرات وأعمال العنف في ولاية أوهايو في العام 2001 إثر مقتل أمركي أوسد على يد رجال الشرطة، إلى إعلان الطوارئ ومنع التجوّل وما صاحبه من اعتقالات وإصابات، فجّر حكم المحكمة في مدينة أوكلاند بولاية كاليفورنيا في العام 2009، بتبرئة شرطي من تهمة القتل العمد لرجل أسود، براكين الاحتجاجات التي أدت إلى نهب ومواجهات مع الشرطة اعتقل على أثرها أكثر من 100 شخص.
انتقلت الاحتجاجات هذ المرّة إلى مدينة فيرغسون بولاية ميزوري .. شرطي أبيض يطلق النار على شاب أسود ويرديه قتيلاً في العام 2014، عشرة أيام عاشتها المدينة على صفيح ساخن بين السكان السود وقوات الأمن، ليندلع العنف مجدداً بعد إعلان إسقاط الملاحقات بحق الشرطي الذي أطلق النار.
وبينما هاجم متظاهرون غاضبون في العام 2015، سيارات للشرطة ومحلات تجارية في مدينة بالتيمور وتجمع المئات للمطالبة بالعدالة بعد وفاة الشاب فريدي غراي متأثراً بكسور أصيب بها في فقرات الظهر بعد أسبوع على توقيفه، اندلعت أعمال شغب واحتجاجات في مدينة ميلووكي بولاية ويسكونسن، بعد مقتل رجل أسود على يد الشرطة، وتطوّر الأمر إلى إحراق للمتاجر والمحلات، لتعتقل الشرطة إثر ذلك العشرات، فيما تسبّب العنف في خسائر بملايين الدولارات.