من مرآة الريف
عبد الملك الشرعبي-“تدوين حر”:
في الريف حيث يمتزج الحفيف والخرير ولجة من الثغاء والهديل، وأغاريد الطيور الشجية عازفة قطعة موسيقية نابعة من روح الطبيعة المكسوة بأصباغ المحاسن الفاتنة، والظواهر السحرية العابقة بالنضار الايقوني الآسر.
في الريف حيث يدهشك الأصيل بلونه الذهبي الجذاب، وتأخذك النشوة للاستمتاع من قلة المرتفعات المطلة على المروج الخضراء… في ذلك الجو الشاعري الفائض، والهواء الطلق تتذوق تلك اللحظات السانحة، وتعود مشحونًا بنوبة رومانتيكية غامرة بالإحساس الجمالي الرائق.
في الريف تراودك الغصون، ويحاكيك الغدير، وكركرة الينابيع الهامسة.
حيث ترتسم المدرجات الجبلية كالأوتار المتراصة في نهد الجيتار الحاضن للأنغام الشجية، وهناك ترنم كالهزار للتو ما يلامسك الصبا بنسائمه العاطرة، وعلى تلك الأقواس الكثيفة بالزروع تمتد الظلال مشيدة تلك الأفياء المفروشة بطوق الأزهار والأعشاب المصفصفة حيث تحس بالوقار، وتبادلك القمارى ما تبوح من المشاعر للجمال.
في الريف حيث تتخطى من خلفك زمرة من المواشي، ويحاذيك سرب الغانيات المسبية كالببغاوات الفاتنة بالمحاسن الرنسيسية المقدسة.
وهناك تجنح كالسنونو في الربا، ويغمرك الهواء الربيعي العليل بنسائم عاطرة.. وتهز وجدانك الحقول المنقوشة كالفن التشكيلي المدوزن بأطياف الأشجار الغزيرة، حيث تحس فؤادك شبابة هامسة، وعيناك ترتشفان المناظر الخلابة باندهاش.
في الريف يتجمهر العشير في قطعة ظل حانوت عتيق، حيث يحكي الشيوخ عن أخبار النجوم وتغيرات الطقوس الشهرية كرياح تموز، وزمهرير كانون، وعاصفة شباط الهوجاء… وقهقهات الشباب تهمس بالخلف بأقاصيص الغرام المتبادلة.
في الريف يوقظك الديك بابتهالاته الصوفية المبكرة، مبشرًا بولوج الفجر الحاضن في كنفه بزوغ الشمس الزاهية بلونها البرتقالي الكاسي وجه الطبيعة رونقًا وجمالًا… حيث تشجيك المهاجل الشعبية، بمقاطعها المتنوعة كالأوركسترا الفريدة والمتقلبة بالألحان.
في الريف حيث ينهمر الودق الصيفي مشجيًا بقسطلته القلوب، ومغدقًا بقطراته الربا التي تمخض بأطياف الجمال… حيث تعانق الغوادي التباب، ويتوارى خلفها الهضاب والسهول والتلال.. وتتدفق السيول العارمة من قلة المرتفعات التي تحتضنها الوديان بلهف يفوق لهف الصب والمستهام.
وهناك تنمو الباسقات مشيدة مكامن الأفياء والظلال المرونقة بنفحات النسيم، ولفيف الشحارير، ومزيج الألوان.
حيث تتمايل الأغصان الفاتنة مع انسياب الشلالات الفياضة، ورقرقة الجداول والغيول توقظ روح الخمائل والوهاد المكسوة بالشجيرات الكثيفة، والممتدة نحو الوديان المفروشة بعشب المراعي الرطاب.
من صفحة الكاتب على “فيسبوك”.