تعز اليوم
نافذة على تعز

وباء كورونا.. بين “دارون” و”أسماء الزنداني”!!

د. صادق القاضي

من حسن حظ الشعوب المعاصرة، صحياً. أنها وُجدت في عصر العلم. بدأ الأمر رسمياً باكتشاف المسببات الحقيقية للمرض. البكتيريا والفيروسات، وتحميلها المسئولية بدلاً من الجن والشياطين والأرواح الشريرة.!

تبعاً لذلك، وبالتدريج.. حلّت الأدوية والأمصال محل التعاويذ والرُّقى والتمائم، وقام الأطباء بإزاحة السحرة والكهنة والمشعوذين إلى خلفية المشهد الطبي العام.

ليس تماماً. ما زال سدنة الوهم يتواجدون حتى في المجتمعات المتقدمة، لكن العلم فرض منطقه حتى في المجتمعات التقليدية التي يتواجد بها أمثال الزنداني وعائلته الشهيرة بالعجائبيات. واختراع أدوية للأمراض المستعصية.. كالإيدز.. وكورونا مؤخراً.

في العادة ينتهز هؤلاء، بجانب جهل العوام، “الفجوات العلمية الطبية المؤقتة”، وحاجة الناس إلى تفسيرات وحلول بديلة للمعضلات التي لم يتوصل العلم إلى حلها بعد.

في أحسن الأحوال، هناك من يثق ويؤمن بالطب القديم، ويمتهنه ويعتاش عليه. لكن حتى الأدوية الحقيقية التي كانت نافعة في الماضي، لم تعد نافعة اليوم، البكتيريا والفيروسات تتطور، بينما رجال الطب والعلم التقليدي لديهم مناعة ذاتية مقاومة للتطور والتغيير.!

فيروس كورونا، على سبيل المثال، مشكلة حلها العلم مراراً، لكن لأن هذا الفيروس يتطور، تعود المشكلة مجدداً. تنطوي الظاهرة على صراع وسباق تسلح، في إطار عملية “التطور” التي تحكم الحياة بشكل عام، والتي يبرهن عليها كورونا من أكثر من جانب:

  • أولاً، من حيث الفيروس:

تطور هذا الفيروس من سلالة تصيب حيوانات معيَّنة، إلى سلالة جديدة تصيب البشر، ثم تطور سلالته التي تصيب البشر، تدريجياً إلى هذه السلالة الجديدة شديدة العدوى والخطورة، خلال عقود قليلة، هو تكثيف علمي عملي بليغ لعملية التطور في المدى المنظور.

  • ثانياً، من حيث الدواء:

المضاد الحيوي بالنسبة للفيروسات بمثابة تحدٍ طبيعي، تهديد بالفناء، الفيروسات التي تنجو تكون قد اكتسبت مناعة ذاتية وراثية، وبالتالي قد تطورت إلى سلالة جديدة مقاومة للعلاج.

هذا ما يسبب صداعاً للمؤسسات الصحية وشركات الأدوية في العالم، ويؤكد عفوياً أن الأدوية الفرعونية والأموية والعباسية هي في أحسن الأحوال مجرد وصفات منتهية الصلاحية.

في كتابه المهم “لماذا النشوء والتطور حقيقة”. يقول عالم البيولوجيا الكبير “جيري كوين”: لو كان “دارون” يعرف بحقيقة تطور البكتيريا والفيروسات نتيجة المضادات والأدوية، لجعلها العمود الفقري لكتابه “أصل الأنواع”.

  • ثالثاً، من حيث الوباء:

الوباء. أيّ وباء، هو كأيّ كارثة طبيعية عامة، بمثابة غربال لأفراد النوع، يفرزها بين ناجين وهالكين. البقاء للأقدر على المقاومة، أو تجنب الإصابة، وهذا هو قانون “الانتخاب الطبيعي” لدارون، بكل بساطة.

في كل حال. سيخترع العلم، اليوم أو غداً، دواءً جديداً لهذه السلالة الجديدة من فيروس كورونا، كحلٍ مرحلي، وستظل هناك دائماً معضلات علمية مؤقتة، يحلها العلم وتظهر غيرها، لكن القناعة التي أصبحت سائدة على المستوى العالمي هي أن انتظار التفسير والحل العلمي أكثر جدوى من اليأس والمراهنة على الوهم والخرافات

قد يعجبك ايضا