صراع مرير للبقاء على قيد الحياة..البسطاء في تعز
مؤخراً، شيّع متظاهرون في تعز كيس الدقيق، كتعبير رمزي عن وضع المواطن، كما نددوا بغلاء الأسعار الذي يضرب البلاد بسبب انهيار العُملة الوطنية.
وعبّر المواطنون عن عجزهم الكبير عن شراء كيس الدقيق بسعر يفوق نصف راتب الموظف أو الجندي، كما لا يتناسب مع دخل السائق والعامل بالأجر اليومي.
المواطن عبدالله سيف (52 عاماً) -عامل بالأجر اليومي- يطبّق ما ورد في المثل الشعبي “على قدر فراشك مد قدميك”، إذ يجزِّئ احتياجاته اليومية من المواد الغذائية الأساسية بشكل يتناسب مع قدراته الشرائية المتردّية، ويشتري كل يوم بعض السلع الضرورية، بكميات شحيحة ومتواضعة، تكفي حاجة يومه فقط، في سلوك لجأ إليه هذا العام مرغماً، جراء افتقاره للمال وغلاء الأسعار والمعيشة وندرة الأعمال والمساعدات وغياب مصادر الدخل.
يضيف: “أجبرتنا الأوضاع المادية والمعيشية المتردية على خوض رحلة بحث يومي، وراء أبسط المتطّلبات اللازمة للأسرة، التي تعِد منها وجبات متواضعة، غير مكتملة، ولا تكفي لسد الرمق“.
يفصل “سيف” احتياجات عائلته على قدر ما بحوزته من مال، ويشتري كيلو دقيقا، وآخر من القمح، وربع كيلو سكر، ونصف كيلو أرز، وكيسا صغيرا يحوي القليل من الشاي، ويعتمد هذا الأسلوب الجديد في توفير بقية المتطلبات الضرورية، التي كان يشتريها -خلال السنوات السابقة- بأكياس وكميات كبيرة.
أجبر الفقر والبطالة وانقطاع الرواتب، وتدنّي مستوى الدخل، وانهيار قيمة العملة المحلية، وغلاء الأسعار الفاحش، وتراجع القدرة الشرائية، البسطاء في مدينة تعز المحاصرة على تفتيت احتياجاتهم، والتوجّه بشكل يومي نحو المحلات والأسواق، للحصول على أبسط الاحتياجات الغذائية، وأقلّها جودة.
صراع يومي
استمرار الحرب والحصار -للعام السابع على التوالي- أفقد الكثيرين في تعز مهنهم ووظائفهم ومرتباتهم ومصادر دخلهم، وسلبهم ممتلكاتهم وأرزاقهم وسبل عيشهم، وأوقف أنشطتهم، وأثقل كواهلهم بالغلاء والفقر والديون، وتراكم إيجارات السكن، وشدة الحاجة، والعجز عن إطعام أسرهم.
انقلبت حياة المواطنين في البلاد رأساً على عقب، واشتد افتقارهم للمال، وساءت أحوالهم الاقتصادية والإنسانية، وارتفعت معدلات الفقر في أوساطهم، مسجّلة 80%، فيما سجّلت البطالة 65%، وذلك من بين 30 مليون نسمة هم إجمالي عدد السكان.
يخوض عيسى حمود (40 عاماً) -عامل بالأجر اليومي- معركة شبه يومية لتأمين القوت الضروري لأسرته، ويستنفر جيوبه المنهكة من أجل تأمين جزء متواضع من السلع الغذائية الأساسية.
يعتمد “حمود” وعائلته على إعداد وجبات متواضعة لا تكاد تكفي لسد الرّمق، كما لا تغطي حاجتهم سوى ليوم واحد أو يومين.
يُرجع ذلك إلى قلّة المال الذي يكسبه بعرق جبينه، ومزاولته العديد من الأعمال الشاقة، وكذلك افتقاره لمصادر الدخل، وعدم امتلاكه وسيلة لكسب الرزق، ما يجعله في صراع يومي من أجل البقاء على قيد الحياة، التي يتفادى فيها الجوع بصعوبة.
ويذكر: “أفتت احتياجاتي اليومية من السلع الأساسية على قدر المال الذي معي، حيث أشتري الدقيق والقمح والسكر والأرز وبعض الخضروات بكميات قليلة، وموضوعة في أكياس بلاستيكية صغيرة، تغطي حاجة أسرتي ليوم أو يومين فقط“.
عجز وتقشّف
توسّعت الفجوة بين المواطن واحتياجاته، التي يصعب عليه تأمينها، لتدني مستوى دخله، وارتفاع أسعار السلع الأساسية وغيرها بشكل جنوني، يفوق قدرته على الاحتمال، وجعل من شراء كيس القمح أو الدقيق أمراً شاقاً وحُلما صعب المنال.
الستيني سعيد مقبل هو الآخر لم يعد يتذكّر آخر مرّة اشترى فيها الفواكه لأطفاله، كونه مرّ على ذلك سنوات.
ما يتذكّره هو واقعه المرير، الذي اعتاد فيه أن يقسِّط احتياجاته الأساسية حسب المال الذي يتلقّاه بين الحين والآخر من بعض أصدقائه وفاعلي الخير، ويشتري به فقط كميات متواضعة من القمح والدقيق والسكر والشاي والأرز، وقارورة صغيرة من زيت الطبخ، ويستثني الكثير من المستلزمات الأخرى من قائمة اهتماماته.
يقول “قبل الحرب كنت أوفّر لأسرتي كل شيء بأكياس وكراتين وعبوات كبيرة، تكفيها لمدة طويلة، وكنت أشتري الخضروات بالسلة، أما حالياً فأشتري في اليوم حبتين أو ثلاث طماطم، وحبتين بصل فقط”.
بلغت مؤخراً قيمة الكيس الدقيق 50 ألف ريال، والقطمة (كيس صغير) السكر سعة 10 كيلو 13 ألف ريال، وقطمة أرز “الرُّبان” سعة 10 كيلو 19 ألف ريال، وعلبة زيت الطبخ سعة 8 لترات 26 ألف ريال، والكيس الشاي زنة ربع كيلو 2800 ريال، والقرص الروتي الواحد 70 ريالا، وعلبة الزبادي 400 ريال، وعلبة التونة ألفي ريال، والفاصوليا 1200 ريال، والحبة الدجاج 7 آلاف ريال، وكيلو السمك (نوع ثمد) 8 آلاف ريال، كما بلغ سعر كيلو الطماط 1800 ريال، وكيلو البطاط 700 ريال، وكيلو البصل 1000 ريال.
مجاعة متوقّعة
تتزايد أسعار السلع الأساسية بشكل متسارع ومهول، يترافق ذلك مع تدهور خطير ومرعب في أوضاع المواطنين المادية والمعيشية والإنسانية، وتراجع كبير في قدراتهم الشرائية، وتزايد كبير في مستوى عجزهم عن توفير المواد الأساسية، سواء بكميات كبيرة أو قليلة، الأمر الذي يثير قلقا محليا ودوليا، وسط تحذيرات من الانزلاق في وحل المجاعة، والمزيد من المعانات، والتردي وسُوء الحال.
المصدر: موقع قناة بلقيس.