تعز اليوم
نافذة على تعز

من سد النهضة إلى البحر الأحمر.. مخطط إثيوبي للتوسع بدعم أمريكي إسرائيلي خفي ومصر تحسم الموقف

متابعات-“تعز اليوم”:

تمضي اثيوبيا بخطى ثابتة على مسار توسّعي خطير في منطقة القرن الإفريقي،وتبدو اليوم وكأنها ترجح كفتها نحو البحر الأحمر في مخططٍ جديد للإمساك بمفاتيح جغرافيا استراتيجية.

ففي وقتٍ يكشف فيه الواقع الميداني والسياسي عن تنسيق بين أديس أبابا من جهة، وواشنطن وتل أبيب من جهة أخرى، تتكشف أمامنا محاولة لإعادة هندسة الجغرافيا والسيادة في واحدة من أهم الممرات البحرية في العالم.

بعد أن فرضت إثيوبيا واقعاً جديداً في حوض النيل من خلال بناء سدٍّ ضخمٍ على نهر النيل متحدية القوانين الدولية ومصالح مصر والسودان، ها هي اليوم تسعى إلى تكرار المشهد نفسه على ضفاف البحر الأحمر.

رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، يتبنّى من خلال خطابٍ علني “الحق التاريخي” لبلاده في منفذٍ بحريّ، لكن حفاة الواقع يرون فيه غطاءً سياسياً لمشروع توسّعي أعمق. هذا المشروع يراد له أن يشكّل نقطة اختراق جيوسياسية كبرى، تفتح الباب أمام تموضعٍ أمريكي–إسرائيلي مباشر في البحر الأحمر تحت شعارات “التنمية الإقليمية” و”التكامل الاقتصادي”.

التحرّكات الإثيوبية للتمهيد لهذا المخطط تتجلّى في عدة محاور ميدانية وسياسية: فقد بدأت أديس­ أبابا باتصالات مكثفة مع الكيان الصهيوني حول مشاريع بنيّة تحتية وموانئ في السواحل الإريترية والصومالية، مروراً بتوسيع تعاونها العسكري والاستخباراتي مع الولايات المتحدة التي تسعى إلى جعل القرن الإفريقي جزءاً من خططها لتأمين الممرات البحرية وخطوط الإمداد النفطية.

تشير مصادر دبلوماسية إلى وجود دعمٍ تقنيٍّ ولوجستيّ من واشنطن وتل أبيب للجيش الإثيوبي في مجالات المراقبة الساحلية والاتصالات المتقدمة، في ما يبدو أنه إعداد ميدانيٌّ لنقطة نفوذ بحري إثيوبية تتوسّع شمالاً نحو البحر الأحمر وتربط بين أديس أبابا والممرّات البحرية الحيويّة.

هذا التوجّه يشكّل تهديداً مباشراً لدول البحر الأحمر، لا سيّما مصر واليمن وإريتريا.

القاهرة التي خاضت معركة طويلة حول مياه النيل تراقب الآن ما يبدو محاولةً للانتقال من السيطرة على منابع النيل إلى السيطرة على شرايين البحر الأحمر، الأمر الذي يتيح لإثيوبيا أوراق ضغط إضافيّة تتجاوز المجال المائي إلى المجال البحري.

أما إريتريا التي تربطها جغرافياً بإثيوبيا بعد حروبٍ طويلة فقد فقدت جزءاً من علاقاتها الطبيعية مع أديس أبابا، وتعتبر أي وجود إثيوبي قريب من سواحلها انتهاكاً سيادياً وتهديداً لموقعها الاستراتيجي.

التحرك الأمريكي–الإسرائيلي الداعم لهذا المخطط لا ينفصل عن المسار الأوسع للهيمنة في المنطقة، إذ تسعى واشنطن وتل أبيب إلى خلق توازناتٍ جديدة تحاصر النفوذ العربيّ وتفكّك منظومة الأمن البحري التي حافظت عليها دول البحر الأحمر لعقود. اليوم وبعد فشل التحالفات الغربية في فرض إرادتها العسكرية في البحر الأحمر، باتت تستعين اليوم بأديس أبابا كقوة إقليمية بديلة تمثل واجهة لمشاريعهم.

ومن خلال النفوذ الإثيوبي يُراد لواشنطن أن تثبيت وجودٍ استخباراتي دائم في الموانئ الاستراتيجية الممتدة من عصب الإريترية إلى بربرة في الصومال، حيث تبرز تقارير استخبارية بأن مسارات تنسيق مشتركة بين إثيوبيا وإسرائيل كانت وما تزال في طور البناء تحت غطاء “التدريب والدعم الفني”.

هذه التحركات تُفهم في القاهرة وصنعاء والخرطوم على أنها جزءٌ من مخططٍ لتدويل البحر الأحمر وإخضاعه لإدارةٍ خارجية تُفرِغ مفهوم السيادة الإقليمية من مضمونه.

فإثيوبيا التي تبرّر تحركاتها بعبارات مثل “الحق التاريخي” و”التنمية المشتركة” تتناسى أنّ البحر الأحمر لم يكن يوماً مجالاً مفتوحاً للدول غير الساحلية، وأن القوانين البحرية الدولية تُلزم الدول باحترام الحدود الجغرافية والسيادة الوطنية للدول المطلة. حتى التقارير الغربية لم تختفِ عن رؤية هذا البعد السياسي للمشروع الإثيوبي، إذ تشير إلى أن واشنطن تعتبر إثيوبيا “شريكاً محورياً” في سيناريو القرن الإفريقي، وأنها تعمل على تمكينها من الوصول إلى البحر الأحمر لتتحول إلى نقطة نفوذٍ جديدة في مواجهة محور المقاومة الآخذ بالتصاعد من اليمن إلى غزة.

ومن خلال هذا التمكين، تسعى واشنطن وتل أبيب إلى تطويق السواحل اليمنية والمصرية والسودانية بكياناتٍ تابعةٍ أو خاضعةٍ لنفوذها الاقتصادي والعسكري.

مراقبون استراتيجيون يؤكدون أن هذا المخطط ليس سوى امتداد لسياسة “التوسع عبر الوكلاء” التي تتبعها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث يُكلّف حلفاؤها الإقليميون بأدوار تنفيذية تحت لافتات “التنمية” و”التكامل”. وفي حالة إثيوبيا تمّ الاستثمار في موقعها الجغرافي وقدراتها العسكرية لتتحول إلى رأس حربة في مشروع السيطرة على البحر الأحمر، تماماً كما تحوّلت تل أبيب إلى أداة لضمان الهيمنة في شرق المتوسط.

الموقف المصري جاء واضحاً وصريحاً، إذ شدّدت القيادة في القاهرة على أن البحر الأحمر ليس مجالاً لتجارب الطامعين، وأن حوكمة هذا البحر مسؤولية الدول المطلة عليه حصراً.

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أكد رسمياً أن أي محاولة لإشراك دول غير ساطِحَة في آليات إدارة البحر الأحمر تمثل خرقاً للقواعد الدولية واعتداءً على السيادة الوطنية. وفي سياق موازٍ، أعلنت القاهرة وإريتريا عن تعزيز تنسيقهما السياسي والعسكري لمواجهة التحركات الإثيوبية، في خطوةٍ تُعدّ رسالة مباشرة إلى واشنطن وتل أبيب مفادها: إنّ المنطقة لن تسمح بإعادة رسم خرائطها تحت شعارات “التكامل الإقليمي”.

في ظل تصاعد التنافس الدولي على الموانئ وخطوط الإمداد، يرى مراقبون أن المخطط الإثيوبي المدعوم أمريكياً وإسرائيلياً يشكّل تهديداً وجودياً للأمن القومي العربي والإفريقي معاً. فالحديث عن “حق الوصول إلى البحر” ليس سوى مقدّمة لتدخلات أوسع قد تطال عمق البحر الأحمر وممراته الاستراتيجية الممتدة من قناة السويس إلى مضيق باب المندب.

هذه التحركات إن مضت في مسارها الحالي، ستفتح الباب أمام فوضى جديدة في الإقليم، وستحوّل البحر الأحمر إلى ساحة تنازع مفتوحة بين قوى أجنبية تتخفّى خلف مشاريع “التنمية”.

إنّ مواجهة هذا المخطط تتطلب موقفاً موحداً من دول البحر الأحمر التي تدرك أن الصمت على التمدد الإثيوبي يعني التنازل عن السيادة وفتح المجال لتغلّغل استخباراتي جديد في قلب الإقليم.

ومن هنا يُفهم الموقف المصري والإريتري بأنه دفاع عن سيادة المنطقة بأسرها، ورسالة قاطعة بأن البحر الأحمر ليس ميداناً للهيمنة الأمريكية ولا منصة للتوسع الصهيوني، وأنّ الأطماع الإثيوبية، مهما غلّفت بخطابات دبلوماسية، ستواجه بصلابة من كل الدول التي تدرك بأن هذا البحر ليس مجرد ممرّ مائي، بل شريان للسيادة والكرامة الإقليمية.

نقلا عن منصة “رادرار 360” على “إكس”.

قد يعجبك ايضا