تعز اليوم
نافذة على تعز

قرار شجاع في توقيت حاسم من وزير الاقتصاد

هيثم الأحمدي

في خضم أزمة اقتصادية عالمية متصاعدة، وتحديات تجارية تتفاقم بفعل اضطرابات سلاسل الإمداد وارتفاع كُلف الاستيراد، جاء القرار المشترك رقم (1) الصادر عن وزارة الاقتصاد والصناعة والاستثمار ووزارة المالية في اليمن، كخطوة محورية في إعادة رسم خريطة الاقتصاد الوطني. قرارٌ لم يكن مفاجئًا بقدر ما كان منتظرًا من وزيرٍ يتمتع ببُعد نظر، وإدراك واقعي لطبيعة المرحلة الحرجة.

القرار المشترك ينص على تعديل آلية احتساب وتحصيل الضرائب والجمارك على عدد من السلع المستوردة، وتقنين كميات الاستيراد لبعضها الآخر، بل ووصل إلى حد حظر استيراد بعض السلع بشكل نهائي. الهدف المعلن: حماية وتشجيع المنتج المحلي، وضبط الاستيراد غير الضروري، وتعزيز موارد الدولة.

وفي قلب هذا القرار يقف وزير الاقتصاد والصناعة والاستثمار، المهندس عبدالجبار أحمد محمد هاشم المحاقري، الذي قاد هذه المبادرة بجرأة، واضعًا نصب عينيه مصلحة الاقتصاد الوطني قبل أي اعتبارات أخرى.

ما يُحسب للوزير المحاقري أنه لم يتردد في اتخاذ قرار سيادي يحمل في طياته رسائل حازمة للداخل والخارج. فبينما تعاني الدولة من ضغط عملة أجنبية، وميزان تجاري يميل إلى العجز، جاء هذا القرار ليعيد ترتيب الأولويات الوطنية: إنتاج أولًا، استيراد لاحقًا.

التوقيت أيضًا ليس اعتباطيًا. فمع حلول النصف الثاني من عام 2025، وبعد وضوح آثار التحرير الضريبي السابق وموجات الاستيراد العشوائي، بات من الضروري فرض انضباط جمركي وضريبي يستند إلى مصالح استراتيجية لا شعبوية ظرفية.

لطالما اشتكى المنتجون المحليون من إغراق السوق ببضائع أجنبية منخفضة الجودة وأسعار منافسة بسبب إعفاءات أو تسهيلات استيرادية. أما الآن، ومع هذا القرار، فإن الصناعة المحلية قد حصلت على “جرعة أوكسجين تنظيمية” تمنحها القدرة على النهوض والمنافسة.

فالسلع المحظور استيرادها أو التي تم تقنينها تشمل أصنافًا يمكن تصنيعها محليًا بجودة لا تقل عن المستورد، بل وبأسعار أقل على المدى البعيد عند توفير بيئة إنتاج مناسبة.

القرار لم يكن انفعاليًا أو مرتجلًا. بل بُني على بيانات وإحصائيات حقيقية – منها متوسط الاستيراد للأعوام السابقة (2022–2024) – وتم ربط الرسوم الجديدة بطريقة مدروسة تعتمد على متوسط سعر السلعة CIF ونسبة التقييد والاستيراد.

بهذه الآلية الدقيقة، سيتم توجيه العملة الصعبة نحو الاستيراد الضروري فقط، وتخفيض النزيف الحاد في النقد الأجنبي الذي طالما أنهك الاحتياطيات، مع رفع كفاءة التحصيل الجمركي.

ان أي قرار اقتصادي حقيقي لا بد أن يهز بعض المصالح. من المؤكد أن هناك من سيتضرر، خاصة من كبار المستوردين، أو من اعتادوا التربح من سلع مستوردة لا ضرورة لها. لكن القرارات الكبرى لا تُقاس برضا التجار، بل بمدى ما تحققه من استقرار اقتصادي وسيادة اقتصادية.

يبعث القرار برسالة قوية: اليمن قادرة على تنظيم أسواقها، والوزارات السيادية تنسق فيما بينها لحماية الأمن الاقتصادي الوطني. ففي وقت تشهد فيه بعض الدول فوضى في القرارات التجارية والضريبية، يُسجّل لوزارتي الاقتصاد والمالية هذا التناغم والجرأة في ضبط السوق.

القرار المشترك رقم (1) ليس مجرد تعديل جمركي، بل هو إعلان نوايا واضح: لن نسمح بانهيار الإنتاج المحلي، وسندعم المصنعين، وسنضبط الأسواق، ونُعيد للدولة هيبتها الاقتصادية.

وإذا ما استمر هذا النهج، فإن السنوات القادمة ستشهد ولادة اقتصاد جديد، أكثر تماسكًا، وأقل تبعية، وأكثر قدرة على الصمود في وجه التحديات.

ونقولها بوضوح: الوزير المحاقري اتخذ قرارًا شجاعًا، في وقت كثر فيه التردد، وقلّت فيه الجرأة. وهو يستحق دعمًا شعبيًا ورسميًا، لا نقدًا أجوف من المتضررين من ضبط الفوضى.

قد يعجبك ايضا