بعد 15 شهرًا من معركة البحر الأحمر.. البحرية الأمريكية تستنزف صواريخ أكثر مما استخدمته خلال 30 عاماً
كشف موقع أمريكي متخصص بشؤون القوات المسلحة الأمريكية وصناعات الدفاع، الأربعاء، عن استخدام البحرية الأمريكية خلال عملياتها القتالية في البحر الأحمر منذ أكتوبر 2023، أكثر من 400 ذخيرة دفاع جوي، بمقدار يزيد عما استخدمته خلال الـ30 عاما الماضية.
ترجمة خاصة-“تعز اليوم”:
وقال موقع Task& Purpose” في تقرير عنونه “في 15 شهرًا، أطلقت البحرية صواريخ دفاع جوي أكثر مما فعلت في الثلاثين عامًا الماضية”، إن: “البحرية الأمريكية أطلقت خلال المواجهات مع قوات صنعاء-الحوثيين، 120 صاروخًا من طراز SM-2، و80 صاروخًا من طراز SM-6، و20 صاروخًا من طراز Evolved Sea Sparrow، بالإضافة إلى صواريخ SM-3، ما تسبب في إنفاق أكثر من مليار دولار على الصواريخ الاعتراضية وحدها، وفقًا لتقديرات الخبراء العسكريين.
قال القائد البحري المتقاعد برايان كلارك من معهد هدسون إن البحرية الأميركية استخدمت صواريخ للدفاع الجوي منذ بدء العمليات القتالية في البحر الأحمر في أكتوبر/تشرين الأول 2023 أكثر من تلك التي استخدمتها الخدمة في كل الأعوام منذ عملية عاصفة الصحراء في تسعينيات القرن الماضي.
وعلى مدار تلك الفترة التي استمرت 15 شهرًا، والتي امتدت من 19 أكتوبر 2023 إلى 19 يناير 2025، شهدت البحرية أكبر عدد من المعارك في البحر منذ الحرب العالمية الثانية، وفقًا لما قاله كلارك لموقع Task & Purpose.
وقال كلارك “من المدهش كيف استطاعت البحرية الصمود دون خسائر، لكن التكلفة كانت هائلة للغاية. وتشير التقديرات إلى أن البحرية استخدمت أكثر من مليار دولار من الصواريخ الاعتراضية لإسقاط هذه التهديدات بالطائرات بدون طيار والصواريخ”.
في الوقت الحالي، يبدو أن الصراع متوقف مؤقتًا، ربما بسبب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس الذي أُعلن عنه في 19 يناير. لكن البحرية ستحتاج إلى سنوات لتجديد إمداداتها من الصواريخ، وهذا يضع الخدمة في وضع سيئ إذا خاضت الولايات المتحدة والصين حربًا اليوم، كما قال كلارك.
وقال كلارك “أعتقد أن أغلب التقديرات تشير إلى أنه في غضون أيام قليلة من القتال، إذا حدث غزو لتايوان، فإن الولايات المتحدة ــ البحرية على وجه الخصوص ــ سوف تنفد أسلحتها. وهذه هي المشكلة: فالأسلحة التي صممناها يصعب تصنيعها للقاعدة الصناعية، لأنها متخصصة للغاية؛ ولديها سلسلة توريد مخصصة للغاية، وهي تُصنَّع يدويًا، وبإنتاج منخفض التكلفة”.
“لم نفعل شيئا كهذا من قبل”
بعد وقت قصير من شن حماس لهجومها الإرهابي على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، بدأ المتمردون الحوثيون في اليمن بمهاجمة السفن في البحر الأحمر بصواريخ كروز وصواريخ باليستية وطائرات بدون طيار وقوارب بدون طيار. في 19 أكتوبر 2023، قضت المدمرة يو إس إس كارني 10 ساعات في إسقاط 15 طائرة بدون طيار حوثية وأربعة صواريخ كروز في ما وصفته البحرية بأنه “أشد اشتباك قتالي تشنه سفينة حربية تابعة للبحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية”.
تذكر جاستن باركر، ضابط التحكم في الحرائق من الدرجة الثانية في نظام AEGIS، لاحقًا أنه وأعضاء آخرين من طاقم السفينة كانوا في أماكن نومهم عندما سمعوا إعلانًا عبر نظام الاتصال الداخلي الخاص بـ Carney: “أخلوا أسطح المراقبة”. وسرعان ما سمعوا Carney تطلق الصواريخ جنبًا إلى جنب مع مدفعها الرئيسي. أدركوا على الفور أن هذا لم يكن تدريبًا.
قال تشارلز كوري، مساعد المدفعي من الدرجة الأولى، في بيان صحفي للبحرية: “لم نقم بأي شيء كهذا من قبل – لقد تدربنا فقط على القيام بذلك”. “كان هناك الكثير من الأدرينالين يحدث. لقد أصبح هذا حقيقيًا الآن”.
كانت هذه بداية حرب إطلاق نار غير معلنة ضد الحوثيين. وخاضت السفينة كارني 51 اشتباكًا خلال مهمتها. وحصل طاقم السفينة بالكامل على شريط العمل القتالي عندما عادت إلى ميناءها الأصلي.
وقال الملازم أول هافن فيكرز في بيان صحفي للبحرية: “كل تجربة تدريبية قمنا بها قبل النشر – هذا ما اعتمدنا عليه”.
البحر الأحمر يغلي
وتصاعدت حدة الموقف في البحر الأحمر بسرعة مع تصعيد الحوثيين لهجماتهم ضد السفن التجارية والسفن الحربية، وشن إيران هجومين ضد إسرائيل. لكن البحرية جاءت لتبقى للقتال.
في ديسمبر 2023، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن البحرية ستكون جزءًا من عملية حارس الرخاء ، وهي جهد دولي لحماية الشحن التجاري في البحر الأحمر.
وبشكل منفصل، بدأت القوات الأمريكية والبريطانية ضربات جوية وصاروخية ضد أهداف حوثية في اليمن في الشهر التالي. وفي النهاية، شملت هذه الضربات قاذفات بي-2 سبيريت ومقاتلات مشاة البحرية إف-35 سي جوينت سترايك . وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، هاجم الحوثيون مدمرتين للبحرية ، يو إس إس ستوكديل ويو إس إس سبروانس، بطائرات بدون طيار وصواريخ باليستية وصواريخ كروز. ولم تلحق أي أضرار بأي من السفينتين، ولم يُصب أي بحارة بأذى.
كما ساعدت البحرية الأمريكية في إسقاط صواريخ إيرانية أطلقت على إسرائيل في أبريل/نيسان ، وأطلقت المدمرتان يو إس إس كول ويو إس إس بولكيلي صواريخ اعتراضية في أكتوبر/تشرين الأول عندما أطلقت إيران صواريخ مرة أخرى على إسرائيل.
إيقاف الهجمات اليمنية
وفي أواخر يناير 2025، أعلنت القوات اليمنية وقف الهجمات في البحر الأحمر جزئيًا بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية حيز التنفيذ، وهو ما يثير تساؤلات حول السبب الحقيقي وراء بقاء القوات الأمريكية في المنطقة، خاصة بعد انسحاب بعض الدول الأوروبية من عملية “حارس الرخاء” التي قادتها واشنطن.
إذا كانت البحرية الأمريكية قد استنزفت صواريخها في التصدي للهجمات اليمنية، فكيف يمكنها الادعاء بأنها كانت تحمي حركة الملاحة الدولية بينما السفن الإسرائيلية والغربية بقيت محظورة بقرار يمني؟ ولماذا لم تتعرض السفن غير المحظورة لأي هجمات؟
واشنطن في مأزق استراتيجي.. ما التالي؟
الآن، مع التوقف المؤقت للهجمات اليمنية بعد أن تحققت شروطها، تجد واشنطن نفسها أمام 3 حقائق مرة:
أولاً: مخزونها من الصواريخ في وضع حرج، ولا يمكن تعويضه سريعًا.
ثانياً: البحرية الأمريكية تعرضت لاستنزاف تاريخي في مواجهة غير متكافئة.
ثالثاً: لم تستطع واشنطن كسر الحظر البحري اليمني، الذي استمر حتى قررت صنعاء رفعه بقرارها السيادي.
من المنتصر الحقيقي؟
وفي الوقت الذي تروج فيه واشنطن لانتصاراتها البحرية، تكشف الأرقام والحقائق الصادرة من الأمريكيين العسكريين المتخصصين أنفسهم، أنها خرجت من البحر الأحمر بقدرات عسكرية مستنزفة، وصورة استراتيجية ضعيفة، دون تحقيق أي من أهدافها المعلنة.
ويبقى السؤال الأهم: هل كانت أمريكا تقاتل لحماية الملاحة، أم أنها خاضت معركة خاسرة ضد قوة يمنية أثبتت قدرتها على فرض إرادتها رغم الفارق الهائل في الإمكانيات العسكرية؟