ببساطة..كتب تُقدِّم لك العلاج النفسي ببساطة
خلال العقود القليلة الماضية، تطوَّرت أدوات العلاج النفسي بصورة غير مسبوقة، ولم يعد يقتصر على المصابين بالاضطرابات النفسية، لكنه بات يشمل غير المصابين ممَّن يودون الحصول على بعض الدعم في تنظيم حياتهم، وفي أثناء ذلك كله يود عامة الناس أن يتعلَّموا عما يعنيه العلاج النفسي، هل يعني فقط أن يجلس أحدهم على أريكة ثم يُذكِّره المعالِج بالماضي السحيق الأليم؟ حسنا، هذا خاطئ تماما.
في هذا التقرير، آثرنا أن نُرشِّح مجموعة من الكتب التي تستعرض عدة نطاقات من العلاج النفسي، بعضها أكثر استخداما من الآخر، وهي ليست شاملة لكل مدارس العلاج النفسي، لكنها ستُعطيك انطباعا عاما عن هذا العالم، يمكن اعتبار هذا التقرير جزءا مُكمِّلا لتقرير آخر تحدَّثنا فيه عن ترشيحات للعلاج المعرفي السلوكي، المدرسة التي تجد الكثير من النجاح حاليا وتُستخدم آلياتها بفعالية في علاج اضطرابات مثل الاكتئاب والقلق.
من المهم التأكيد أنه لا يُشترط أن تكون مصابا باضطراب نفسي للتعرُّف إلى عالم العلاج النفسي، لأن هذه التقنيات بالفعل قادرة على إثراء حياتك بمجموعة مدهشة ومفيدة من المبادئ أو الفلسفات التطبيقية التي يمكن أن تساعدك لتحصل على نمط حياة أكثر سعادة ورضا وفاعلية، لكن الأمر يتطلَّب أن تكون مَرِنا قدر الإمكان في النهاية، لأن بعض هذه التقنيات ما زال بحاجة إلى المزيد من البحث العلمي للتأكُّد التام من فاعليته، كما أنها قد لا تكون فعَّالة في كل الحالات، وقد تناسب أشخاصا دون غيرهم.
العلاج بالقبول والالتزام
حسنا، لنبدأ معا مع نطاق علاجي يجد الكثير من الاهتمام مؤخرا وهو العلاج بالقبول والالتزام (Acceptance and Commitment Therapy)، وهو أشبه بموجة ثالثة من العلاج المعرفي السلوكي تتضمَّن عملية أساسية وهي “المرونة النفسية”، التي تعمل على توجيه الانتباه إلى المشاعر غير السارَّة بدلا من التخلُّص منها، ولكن في أثناء ذلك نتعلَّم كيف نتعامل معها بما يتناسب مع قيمنا وأهدافنا في الحياة.
هذا الكتاب يحمل عنوان “العلاج بالقبول والالتزام”، وهو من تأليف معالِجَيْن متخصِّصين في الأمر هما ريتشارد بينيت وجوزيف أوليفر، الكتاب جزء من سلسلة بعنوان “100 نقطة رئيسية وتكنيك” تُقدِّم عددا من آليات العلاج النفسي، والفكرة أن تُقدَّم المدرسة العلاجية في صورة نقاط قصيرة لا تتخطَّى الواحدة منها حاجز الصفحة أو الصفحتين، الكتاب في المقام الأول مُقدَّم للمعالِجين المبتدئين، لكن ذلك لا يمنع الجميع من الاستفادة منه، مادته صعبة بعض الشيء وتتطلَّب بعض المعرفة السابقة، لكن مع بعض الجهد ستصل إلى مرادك منه.
اليقظة الذهنية
خلال العقود القليلة الفائتة وجدت اليقظة الذهنية، وتسمى أيضا “التيقُّظ” أو “التعقُّل” (Mindfulness)، طريقها إلى آليات العلاج النفسي بعد أن تخلَّصت من جذورها الطقوسية، وامتلكت تقنيات فعَّالة حقا في بعض الاضطرابات النفسية. وتعني اليقظة الذهنية “الوعي باللحظة الحالية، بأحداثها الداخلية والخارجية، دون إطلاق أحكام”، بعبارة أخرى، تتمحور تجربة التيقُّظ فقط حول البقاء مُتيقِّظا وواعيا بكل تفاصيل الآن، وبذلك فهي تساعدنا على الاتصال مجددا ببساطة الحياة، إنه ما يفعله الأطفال بعفوية في أثناء لعبهم اليومي. مؤخرا، اندمجت اليقظة الذهنية بفعالية في آليات العلاج المعرفي السلوكي.
في كتابه “اليقظة الذهنية للحمقى”، يُقدِّم شمس أليدنا تعريفا موجزا لليقظة الذهنية، مع دليل موجز لكيفية تطبيقها في حياتك، يتضمَّن الدليل مجموعة من التمارين التطبيقية والتعاريف والمفاهيم النظرية المُقدَّمة للعامة بحيث يمكن لأي شخص أن يتفهَّم اليقظة الذهنية ويمارسها بسهولة، سلسلة “للحمقى” (For Dummies) تُعنى بتقديم المواد بصورة مُبسَّطة ومُجهَّزة للدراسة الذاتية، مدعومة بالعديد من الصور، وهي تتخذ النمط نفسه في كل المجالات بداية من الفلك والفيزياء ووصولا إلى الخرائط الذهنية وتنظيم المنزل.
العلاج الجدلي السلوكي
مرة أخرى، نتعامل مع مدرسة نابعة من العلاج المعرفي السلوكي وهي تقنية العلاج الجدلي السلوكي (Dialectical behavior therapy)، وفيها يتعلَّم الخاضع للعلاج، سواء كان مريضا أو شخصا عاديا يواجه مشكلات في حياته، عدة مهارات ضمن حقيبة العلاج المعرفي السلوكي، وهي اليقظة الذهنية، التي تحدَّثنا عنها قبل قليل، والتسامح مع النفس، والتعامل مع الآخرين في محيطك، وتنظيم العاطفة. بدأ العلاج الجدلي السلوكي في المقام الأول لعلاج حالات اضطراب الشخصية الحدية التي لم تستجب للعلاج المعرفي السلوكي، ثم توسَّع لنطاقات أخرى بعد نجاحه مثل اضطرابات القلق والاكتئاب والإدمان واضطرابات ما بعد الصدمة.
في هذا الدليل العملي لمهارات العلاج السلوكي يُقدِّم فريق من المعالِجين فرصة لممارسة العلاج الجدلي السلوكي في شكل دليل عملي ضخم لممارسة اليقظة الذهنية وتنظيم المشاعر والتعامل مع الآخرين وتقبُّل الذات، يشبه الأمر أن تكون بالفعل مع معالِج خاص، يطلب الكتاب تفاعلك في عدد من النقاط (ستحتاج إلى استخدام قلم والكتابة داخل الكتاب مثلا)، وهو يتدرَّج بيُسر بين فصوله حتى يصل بك إلى الجلسة الأخيرة، نود أن نوضِّح أن هذا الكتاب -بالنسبة للمرضى- لا يُغني بحال عن الذهاب للطبيب أو المعالِج النفسي.
نظرية الاختيار
تتمحور أعمال وليام جلاسر، الطبيب النفسي الأميركي ومؤسِّس ما نعرفه الآن باسم “العلاج بالواقع”، حول ما نظن أننا لا نتحكَّم به في حياتنا، بل ويرى أننا ندخل في موجات من الحزن أو الانتكاس أو الانزواء أو البؤس، ليس لإيذاء أنفسنا، فلا أحد يود ذلك، ولكن لأنه كان أفضل الخيارات المتاحة أمامنا، يحاول العلاج بالواقع أن يُفنِّد أفكارنا بالطريقة التي تبدو معها مصائبنا وكوارثنا ومشكلاتنا اختيارات، ثم بعد ذلك يقودك للتعامل مع تلك المشكلات باختيارات أخرى فعَّالة، ويكون العلاج بالواقع فعَّالا خاصة في مشكلات العلاقات.
في كتابه “نظرية الاختيار – علم نفس جديد للحرية الشخصية”، يرى جلاسر أن شعورنا بالبؤس مبني بالأساس على منظومة نفسية للتحكُّم (control psychology)، وهي تعني أن الإنسان يعيش منذ لحظة الولادة في حلقة من الإجبار المستمر، فإما أنك تريد لشخص ما أن يفعل ما تريده، وتحاول بشتى الطرق إجباره على ذلك، وإما أن شخصا ما يريد أن تفعل شيئا لا تريده، ويحاول مثلما حاولت.
يعرض جلاسر لأساسيات النظرية في الجزء الأول من الكتاب، ثم ينطلق بعد ذلك لجزء عن ممارسة النظرية الخاصة به، ثم جزء ثالث عن صور من تطبيقها، ويركِّز جلاسر على الحب والزواج، والثقة والعائلة، والمدرسة والتعليم، وأماكن العمل، والواقع أن هذا الكتاب، بوجه من الوجوه، سيكون إضافة ممتازة خاصة للمُقبلين على الزواج. (قدَّمنا سابقا في ميدان عرضا لهذا الكتاب)
العلاج بالمعنى
في كتابه “إرادة المعنى – أسس وتطبيقات العلاج بالمعنى”، يختلف فيكتور فرانكل، طبيب الأعصاب والطبيب النفسي النمساوي مع المدارس السابقة له، فدافع الإنسان للبقاء ليس اللذة كما قال فرويد، أو النجاح والمكانة كما قال أدلر، أو تحقيق الذات كما تصوَّر مازلو، لأن كل تلك الأمور لم تكن موجودة في المعتقلات النازية التي عاش بها فرانكل، ولكن الدافع هو أن يجد الإنسان معنى لحياته، والإنسان يمر بهذا البُعد المعنوي فقط عبر التسامي عن الظروف المحيطة التي لا يتمكَّن من تغييرها، لكنه يستطيع تغيير وجهة نظره تجاهها.
كما يبدو من عنوانه، فإن فرانكل يحاول في هذا الكتاب أن يضع الأُسس النظرية والتطبيقات العملية للعلاج بالمعنى. لغة الكتاب بسيطة ويمكن للجميع أن يستخرج المراد منها: كيف تساعدنا مصائبنا على بناء معنى لحياتنا؟ قد تبدو للوهلة الأولى جملة من أحد كتب التنمية البشرية، لكنها بحسب مدرسة العلاج بالمعنى آلية مُمكنة تماما ويمكن تعلُّمها. (قدَّمنا سابقا في ميدان عرضا لهذا الكتاب)
ربما عليك أن تُكلِّم أحدا
حسنا، عرضنا لمجموعة من مدارس العلاج النفسي في المقترحات السابقة، لكن بقي كتاب واحد لا يُقدِّم دليلا نفسيا ولا تقنية تساعدك على تجاوز أحزانك، وإنما يُقدِّم تجربة حقيقية للعلاج النفسي مرَّت بها مؤلفته “لوري جوتليب”، حينما قرَّر الشخص الذي أرادت أن تستكمل كل حياتها معه أن يتركها فجأة، الكتاب لا يحتوي على نهايات فانتازية أو قدرات هائلة على تخطي الحزن أو الألم بعد العلاج النفسي، لكنه على العكس من ذلك تماما.
جوتليب أصبحت معالِجة نفسية بعد أن تخطَّت تلك التجربة، حيث تمكَّنت من إدراك شيء مهم وهو أن العلاج النفسي يُفهم خطأ، حيث يظن الواحد منا أنه سيجلس على الأريكة ليشاهد مشكلاته وهي تُحَل بفضل المعالِج، لكن هذا خاطئ تماما. في طريق العلاج النفسي يجب أن يمشي شخصان، كلٌّ منهما يلتقط طرفا ويُسلِّمه للآخر، الذي يعمل عليه ويُسلِّمه للأول، وهكذا.
في كتابها الضخم، تحكي جوتليب بأسلوب روائي سَلِس (والواقع أنها رواية أو قُل مذكرات أكثر من كونها كتابا عن العلاج النفسي) عما يجب أن يفعله المرء قبل الذهاب للمعالِج النفسي، وكيف أن بعض المشكلات تتطلَّب التدخُّل ولن تقدر عليها بنفسك، من جانب آخر تُعلِّمك عما يجب أن تتوقَّعه من العلاج النفسي، وكيف يواجه المعالِجون مشكلات جمة بسبب كذب العملاء، كما أنها -وهذا هو الأهم- تُغلق في وجوهنا ذلك الباب الذي نتصوَّر فيه أن العلاج النفسي هو الحل السحري لمشكلاتنا، لأنه لا توجد حلول سحرية في هذا العالم!
المصدر : الجزيرة