موسم الهجرة إلى “تويتر”.!
صادق القاضي – تعز اليوم :
للمرة الخامسة، خلال أشهر قليلة، تعرض حسابي الفيسبوكي المتواضع، مؤخراً. لحظر جائر، من قبل إدارة الموقع، والسبب، في كل مرة، حسب الإشعارات:
“عدم الالتزام بمعايير “مجتمعنا”. المتبعة، أو “المتعلقة بالخطاب الذي يحض على الكراهية”.!
كما في كل مرة، شعرت بالكثير من السخط والإحباط.. لكن. كان عزائي هذه المرة، وفي اليوم الأول من الحظر. إعلان شركة “Facebook” عن تعرضها لخسارة مهولة تجاوزت الـ40 مليار دولار، وهي أعلى خسارة في تاريخها.!
هل هي مصادفة؟!
هل هناك من انتقم لي بهذه الطريقة السريعة الماحقة، من هذه الشركة، ومن مؤسسها “مارك زوكربيرغ” الذي كان نصيبه وحده من هذه الخسارة 6 مليارات دولار.؟!
ليست مسألة شخصية، ومع ذلك، فرغم ضعف قوتي، وقلة حيلتي، فباعتباري مشتركا من ضمن ملايين المشتركين الذين توقف نشاطهم في هذا الموقع، خلال هذه الفترة.. هناك علاقة بين الحظر الذي فرضه الموقع علي، وبين الخسارة، التي تعرضت لها الشركة.
الشركة نفسها أعلنت أن السبب في هذه الخسارة التاريخية غير المسبوقة التي تكبدتها، هو الانخفاض التاريخي غير المسبوق في عدد المشتركين النشطين.. في ظل بديهية أن المشتركين. هم “رأسمال” مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن الشركة لم توضح السبب في انخفاض أعداد هؤلاء المشتركين، وهي ظاهرة تتعلق مباشرة بالسياسة الرقابية التي بات. هذا الموقع يفرضها بشكل متزايد. على النشر، والعقوبات التي يتعرض لها المشتركون. غالباً وفق معايير رقمية عشوائية غبية.
مثلاً: انتقدت مرة. الدعاء المعروف الذي يطلب فيه خطباء الجمعة من الله إهلاك وتدمير وتمزيق.. أتباع كل الأديان والطوائف.. في العالم، هم وذريتهم، ومن والاهم من المسلمين.!
المنشور ضد الكراهية، هذا واضح حتى للأغبياء، لكن الفيسبوك -استنادا على الذكاء الإلكتروني “الخارق”- اعتبره يحض على الكراهية، وقام بفرض حظر على الحساب.!
وهكذا في المرات الأخرى. ولأسباب لا تقل اعتباطاً، الرقيب الإلكتروني لا يفرق بين كونك تنتقد الخطابات العنصرية أو تروج لها.!
“الرقابة”، ظاهرة بشرية قديمة، ورغم كونها ظاهرة نسبية، تتفاوت، من حيث الكم والنوع، باختلاف الزمان والمكان والثقافة، إلا أنها. كانت، وما تزال حاضرة، بأدواتها ومعاييرها السياسية والدينية الاجتماعية..
وفي مقابل أنها فرضت تاريخياً على مختلف الوسائط: الشفاه، والورق. الكتب والصحف، الكاسيتات وأشرطة الفيديو.. فإن الفضاء الرقمي الحديث كبحها إلى حد بعيد. لصالح جميع أشكال الحريات.
وبخلاف المواقع الإلكترونية التي ظلت تخضع بشكل ودرجة معينة لرقابة ملاكها من المؤسسات والأشخاص، تحررت مواقع التواصل الاجتماعي، رغم كل شيء، من هذه الرقابة، ووفرت منبرا حرا لكل شخص في العالم.
ومع ذلك. ظل “الرقيب حالجي” القديم حاضرا، الفرق أن مقصه الصحفي الحديدي القديم، أصبح رقميا، وأقل تركيزا وأكثر عمومية، في هذه الفضاءات الرقمية الحرة، أو التي يفترض أنها حرة.
نظرياً. يمكن تفهم أن لهذه المواقع دوافع معقولة، في وضع ضوابط رقابية تحول دون تحويلها إلى منابر للتنظيمات والعناصر المتطرفة، وبث الخطابات العنصرية التي تحض على الكراهية، وتحرض على العنف.
لكن. عملياً. العملية معقدة من عدة جوانب، بداية بكونها، برمتها معتمدة على الذكاء الإلكتروني، الشيء الذي تناوله النوبلي “متشيو كاكو”. في كتابه “فيزياء المستحيل”، مؤكداً أن”الروبوتات” لم تصل حتى اليوم إلى مستوى ذكاء الصراصير.!
هذا الذكاء بارع فقط -كما في الجوجل- في البحث عن الكلمات والعبارات المدخلة. لكنه لا يفهم معانيها، فضلاً عن فهم الدلالات السياقية أو المقامية لها، ولن يفهمها على المدى الطويل.
الفيسبوك بشكل خاص، يعتمد في الرقابة على خوارزميات ترصد عددا محدودا جدا، ومحددا عشوائيا من المشتركين، والذين تم التبليغ عن منشوراتهم، وتفرض إجراءتها القائمة على الانتقائية والعشوائية وعمى الذكاء الإلكتروني.!
وهذا يفسر لماذا يطفح هذا الموقع بمنشورات عنصرية فاشية تحض بشكل صارخ على الكراهية والعنف والإرهاب.. دون أن تتعرض حسابات أصحابها للعقوبات الرقمية.!
من جهة أخرى. الفيسبوك. مقارنة بالمواقع الأخرى، لديه مشكلة من حيث الدرجة المتصاعدة للمواضيع المحظورة، والإجراءات الرقابية، ويفرض المزيد من الرقابة كل فترة، حتى أن “مارك” عين مجلس مشرفين على حرية النشر، في موقعه، منهم السيدة توكل كرمان.
ختاماً. وبغض النظر عن كون الفيسبوك، وللمفارقة، سمح مؤخراً بالخطابات التي تحض على الكراهية والعنف ضد روسيا والرئيس بوتين، فإن سياسته ومعاييره الرقابية العالية، وقيوده المزايدة على حرية النشر. على جوانب ومواضيع كثيرة، هي من أهم الأسباب الجوهرية التي تجعل منه بيئة طاردة للمشتركين في نزوحهم الجماعي الملحوظ إلى مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، لا سيما موقع “تويتر”.!.