الشرعية وعبودية المملكة !
محمد اللطيفي_ “تعز اليوم”:
يوجد نوع من الأفراد أو الشعوب يرفض أو يتهرب من كل فرصة تمنح له للتحرر مما يقيّد حريته أو يعيق تقدمه، وهذا النوع متوفر بكثرة خصوصا في البلدان النامية، وقد أطلق عليه المفكر الفرنسي (إيتان دو لا بويسي) اسم “العبودية المختارة”، ويعني بها تعود الناس على احتمال وطأة الاستعباد، لدرجة يعتقدون فيها أن من الحرية اختيار نوع العبودية.
وبتقديري، فإن العبودة المختارة، لا تنطبق فقط على الأفراد أو الشعوب، بل تسرى أيضا على الأنظمة والكيانات أو النخب السياسية، التي تحاول؛ وهما، اقناع نفسها بأنها حرّة، أو تمثّل دور الكيان الحر المعبر عن استقلال الأفكار أو سيادة الدول. وفي الحقيقة فان هذه الكيانات أو النخب السياسية غارقة في وهم الحرية، وتعد نموذجا للعبودية المختارة، التي يمكنها أن تفسّر سؤال اليمنيين الدائم: لماذا تقبع “الشرعية اليمنية” كل هذه السنوات داخل فنادق الرياض؟ ولماذا ترفض كل فرص التحرر التي تحصل عليها للتحرر من “الوصاية الخليجية؛ السعودية خصوصا“!.
يبدو الجواب في عبارة إيتان دو لا بويسي، “العادة أكثر من الخوف”. فلطالما ظل الخوف هو الإجابة الدائمة لبقاء الرئاسة والحكومة اليمنيتين خارج البلاد، حيث تتردد جمل مرتبطة بالخوف؛ من قطع الدعم المالي، من توقف دعم ألوية الجيش. إلا أن الوقائع تظهر أن المسؤولين اليمنيين اعتادوا عيشة الفنادق، أو ما يمكن أن نطلق عليه “عبودية الرياض”، وهي عبودية أضحت عادة مختارة، وأضحى الخوف من فقدانها، هو ما يقلق المسؤولين اليمنيين، أكثر من قلق العودة لبلدانهم.
في أكثر من لقاء لي مع بعض من العاملين في مؤسسة الشرعية، تبيّن لي أن من يمثلنا أمام العالم، مقتنعين بعبوديتهم للعواصم الخليجية التي يتوزعون فيها، خصوصا الرياض، وأن عبوديتهم هذه أضحت عادة متحكمة، يمكن القول معها أن العائق الرئيسي أمام تحرر اليمن هم هؤلاء المسؤولين الذين للأسف يمثلوننا أمام العالم، ويعطون صورة لليمن تظهرها ككيان قاصر يحتاج دوما لوصي دائم عليه.
هذه حقيقة علينا أن نعترف بها، لكي نستطيع معالجتها، فيمكنك النظر لكل النخب السياسية المتوزعة في عواصم الخليج والعالم، وهم هنا؛ مسؤولين وسياسيين ونواب الخ، ستجد أن تبعيتهم للخارج لم تعد مجرد عبودية اضطرارية بل اختيارية. بعضهم أكسبته هذه التبعية أموالا ومصالح، وآخرون علاقات ومناصب، ووصل الأمر بنخبة منهم لتحويل عبوديتهم تلك إلى ثقافة يتم التنظير لها، وتقديم المبررات لإقناع الناس بها، حيث تلقى أغلبهم يتحدث معك عن إيجابيات الخضوع التام للسياسة السعودية، أو ينظر للعوائد الإيجابية لبقاء التدخل الإماراتي في اليمن. لا تصدقوا حكاية مواجهة التدخلات الإيرانية فهي مجرد شعار لتغطية “العبودية المختارة” للرياض وأبوظبي.
تكمن الإشكالية أن تلك النخب السياسية التي تتحكم بالشرعية أو تمثلها أمام العالم، لم تعد تشعر بالخجل وهي تلتقي كل هذ السنوات سفراء وممثلي المجتمع الدولي داخل فندق في الرياض، طالبين منهم الدفاع عن سيادة اليمن واستقلاله. إنه لأمر مضحك ومخزي أن تتحدث عن سيادة بلد تخليت عنه، وهارب من أراضيه، ومعط غيرك صكا مفتوحا للدفاع عنه.
العالم لا يمكنه أن يحترم الحكومات التي لا تحترم شعوبها، والمجتمع الدولي حقا لا يحترم حكومة اليمن، ليس فقط لأنها لا تحترم نفسها، بل أيضا لأنها قدمت اليمن ككيان تابع للمملكة وملحق خاص بالسفير السعودي لدى اليمن آل جابر. ومن متابعتي للأحداث فإن المسؤولين الدوليين يجدون أن المسؤولين اليمنيين لم يعودوا يرغبون بالتعامل المباشر معهم كيمنيين بل عبر الوسطاء السعوديين.
نعم، نحن أمام مسؤولين يمنيين لا علاقة لهم بالمسؤولية، اختاروا عبودية الرياض وأبوظبي طواعية، وكل ما يمكنهم أن يجيدونه تملّق المسؤولين السعوديين والتزلف لسياسييهم، خوفا من فقدان امتيازات العبودية، وهي امتيازات آنية وزائلة، وتعطى لهم، كجزء من سياسة خليجية مؤقتة. وسيصحون يوما ما، ليدركوا حقيقة أنهم كانوا مجرد عبيد، ضيعوا فرصا كثيرة ليكونوا أحرارا، يشار إليهم بالفخر والاعتزاز.
من صفحة الكاتب على “فيسبوك”.