طارق صالح لم يكن على علم بقرار الانسحاب من الحديدة!!
علي الفقية – تعز اليوم:
رغم التضحيات الكبيرة والدماء الزكية التي سكبها رجال مخلصون في معارك الساحل الغربي عند تحريرها وفي كل جبهات اليمن، إلا أن ارتباط هذه المعركة بالأشقاء تمويلاً وتسليحاً يجعل كل شيء ينهار في لحظة تغير مزاج خليجي مترف يعيد “التموضع” بين فترة وأخرى لأسباب قد تبدو لنا عبثية وغير منطقية.
الإنسحاب الأخير “التموضع”، ورغم أن طارق في واجهته، إلا أنه قد يكون عرف كأي واحد من المتابعين وقد يكون عرف قبل المتابعين بفارق زمني ضئيل، وكان الإرتباك الواضح الذي بدى على مقربيه وطاقمه الإعلامي في اليوم الأول دليل واضح على هذه الفرضية، حينها تخبطوا بين نفي الإنسحاب وبين التأكيد على أن هناك توجيهات للألوية بالعودة وأن التوجيهات صدرت من جهة مجهولة، ثم تموضعوا في اليوم التالي وعادوا لصياغة سرديات تحاول تقديم هذا الإنسحاب كعمل وطني وإنجاز غير مسبوق من أجل إعادة ضبط المعركة وذهبوا لتحميل الحكومة التي لا يعترفون بشرعيتها مسؤولية هذا الإنسحاب باعتبارها وقعت اتفاق استوكهولم وقيدت القوات هناك.
والحقيقة أن الإنسحاب بدأ فعلياً مطلع شهر اكتوبر الماضي حين صدرت توجيهات إماراتية بسحب الألوية التي تتبع طارق “ألوية تهامية، وحراس جمهورية” بالانسحاب من المواقع في جنوب مدينة الحديدة وتسليمها لقوات هيثم قاسم “الذي يعمل مقاولاً لدى دولة الإمارات ضمن مجموعة من القادة أوجدتهم لتفخيخ الساحة اليمنية وبذرة لهدفها القديم الجديد في تقسيم اليمن”.
لم يكن لتوجيه قوات طارق إلى مديريات الوازعية وموزع وتسليم مواقع التماس في جنوب الحديدة لقوات هيثم إلا معنى واحد وهو التمهيد لخطوة الإنسحاب التي تم تنفيذها أمس الأول، وتسليم تلك المناطق لمليشيا الحوثي”.
هل “التموضع” الأخير للإمارات في حظن إيران والتي جاء من ضمنها زيارة عبدالله بن زايد لبشار الأسد استدعى هذه الخطوة كهدية إماراتية لإيران وإثبات صدق ولائها لها؟ هذا الإحتمال وارد جداً..
هل هناك قرار خليجي بالانسحاب من حرب اليمن وإغلاق هذا اليمن وبالتالي ذلك يستدعي استكمال تسليم الشمال للحوثي أو تمكين الحوثي من السيطرة على الشمال وتسليم الجنوب للمجلس الإنتقالي “الإنفصاليين المدعومين من الإمارات” وهذا أيضاً احتمال وارد جداً وإن كان صمود الإبطال في مارب يعيق هذا السيناريو من وقت طويل.
كان يتردد دوماً سؤال في أوساط اليمنيين لماذا لم يدعم الأشقاء في التحالف جيشاً رسمياً يتبع وزارة الدفاع وهيئة الأركان ويعمل ضمن غرفة عمليات واحدة.. والجواب ما ترونه اليمن وما رأيتموه بالأمس أن الجيش النظامي لن ينسحب إلا بتوجيهات من قيادته في وزارة الدفاع وهيئة الأركان بينما التشكيلات المسلحة أو ما يمكن تسميته مجازاً “الجيوش” التي تعمل بنظام المقاولات يمكن بسهولة توجيهها دون الحاجة إلى المرور بأي تراتبية أو تفاهمات مع مسؤول قد يتمسك بأجندته الوطنية.
ما كان لطارق أن يرفض توجيهاً إماراتياً بالإنسحاب، ولا هيثم قاسم يمكن أن يفكر بذلك لأنه يعتقد أنه جاء ليقاتل مع الإمارات في بلد شقيق ليس بلده مثله مثل أي شركات تقدم خدمة تأجير مقاتلين مع تقديرنا لكثير من الأفراد الذين يقاتلون بقناعة وبعقيدة في صفوف كل التشكيلات.. حديثنا هنا عن القادة وعن فكرة تشكيل هذه القوات ككانتونات خارج المنظومة العسكرية الرسمية.
الشرعية خايسة وفاقدة للفعالية ومسلمة أمرها لغيرها وبالتالي فقد علمت بهذا الإنسحاب بعد معظم اليمنيين بأمر هذا الإنسحاب لأنها لم تتواجد ولم تحرص على التواجد في هذه الرقعة الجغرافية الواقعة على الممر المائي الدولي التي استلمتها الإمارات لتقدم خدمات للدول المهتمة بالبحر الأحمر.
وحتى بعد علم الشرعية فإنها مشلولة وغير قادرة على التقاط رفض قادة ووحدات عسكرية ممن هم أبناء الأرض والحريصين على مواجهة الحوثيين ودعمهم لتمكنهم من استعادة زمام المبادرة وقلب الطاولة بعيداً عن “التموضعات” الإقليمية. بل إنها فقدت حتى القدرة على تقديم الدعم لأنها تخلت عن هذه المهمة منذ زمن وباتت غير قادرة على التخاطب مع أي بلد لشراء أسلحة أو ذخائر ما لم تكن السعودية موافقة على ذلك وهذا ما حصل فعلياً في التحركات الأخيرة لوزير الدفاع والذي رغم حصوله على موافقة من دول شقيقة بتقديم الدعم بذخائر وأسلحة إلا أن الجيران سارعوا لإيقاف هذه التحركات باعتبار الحكومة اليمنية قاصر ولا تستطيع أن تقدر مصلحتها.
إن تحويل ما حدث إلى ميدان للمناكفات لا يخدم المعركة الأساسية التي لا علاقة لها بأجندات الأشقاء، ومقارنة هذا الإنسحاب بهزائم سابقة تعرض لها الجيش الوطني في أكثر من جبهة أمر غير منطقي ولا يهدف سوى لتبييض هذه الفضيحة ومحاولة القول بأن ما حدث اليوم يمكن تسجيله في قائمة ما قبله، فالهزيمة أمر وارد في المعارك والإنسحابات واردة عندما يكون هناك هجوم لا تقدر على صده، لكن أن تستيقظ الصباح وتذهب لسحب معداتك وأفرادك دون أن يهاجمك حتى كلب ضال فهذا وضع آخر غير صالح للمقارنة مع أي انسحابات أو هزائم تتعرض لها كل الجيوش في العالم.
ومن ضمن التبريرات المضحكة أن هذا الإنسحاب يأتي ضمن تنفيذ اتفاقية استوكهولم الذي تم توقيعها برغبة وقرار سعودي قبل ثلاث سنوات والتي توقفت بموجبها معركة الحديدة، يحملون الشرعية المسؤولية وهم يعملون أنه قرار سعودي في ذروة الضغوطات الدولية المتعلقة بأزمة اغتيال “خاشقجي”، ومع هذا فقد مات هذا الإتفاق وشبع موتاً ثم الإتفاق ينص على إخلاء خمسة كيلو متر على ضفتي مواقع تمترس القوات وليس مئة كيلومتر، ثم إنه يتم من الطرفين وبإشراف الأمم المتحدة التي قالت هي الأخرى إنها لم يتم إشعارها بخطوة الإنسحاب وبدت متفاجئة أيضاً، ولجنة التنسيق الحكومية المعنية بمتابعة تنفيذ اتفاق استوكهولم قالت إنها لا تعلم بشيء.
وفي الختام لن ننتصر إلا بأجندة وطنية بعد أن نتخفف من الإلتزامات للأشقاء وأجنداتهم التي اتضح مع مرور الأيام أنها لا يمكن أن تلتقي وأجندتنا الوطنية المتمثلة في مواجهة “الإمامة” كمشروع ضد الإنسانية والكرامة، وهذا أمر لا يعني الأشقاء بأية حال.