تعز والأطباق الطائرة
زهير الطاهري_ “تعز اليوم”:
في الحقيقة لم يعد اغتيال أي رجل مهما كان يفزعني، أو يبعث فيَّ أي اهتمام. وهذه نتيجة طبيعية لما وصلنا إليه، بعد هذه السنوات من التآكل. وهذه خسارتنا الفادحة، والتي لا يمكن تعويضنا عنها على أي حال. هذا الجانب المهدم من أرواحنا، والذي تبدو محاولة ترميمه مستحيلة. هذه الثقة المعدومة بكل شيء. هذا التعاطي المؤقت مع كل فاجعة، لأنها بدورها مقدمة لفاجعة أخرى أشد وأنكى. هو نتيجة مراكمات طويلة من القتل المنظم والغير منظم لكل ما هو يمني. ليس عندي أي مشكلة مع هذا الرجل الذي يبدو من خلال كتابات الأصدقاء أنه كان رجلا طيباً ككل اليمنيين. لكن موته بدا لي عاديا ككل الذين سبقوه. وفي كل مرة يقتل فيها أحدهم يخرج أصدقاؤه ومعارفه يبكوه، ويسردون محاسنه، وهذه طبيعة اليمني في التعاطي مع القتيل دائماً. لكننا في كل مرة لا نفعل شيء، سوى البكاء على الأطلال، على طريقة اليمني الأول في البكاء، حتى أننا لم نبتكر طريقة جديدة في البكاء.
هذا الرجل ليس الأول كما أنه لن يكون الأخير الذي يذهب إلى هناك؛ مادامت تعز مشلولة وأصابعها عاجزة عن تحديد البندقية التي تطلق النار على كل شيء فيها. ستبقى البندقية تطلق النار بلا توقف، ما لم توقفوها أنتم. البندقية التي قتلت ومازالت تقتل، كما لو أنها بندقية لا تنتهي ذخيرتها. لأنكم أنتم ذخيرتها الحقيقية. إن السكوت المذل لمدينة تعز هو الذخيرة الحية لهذه البندقية. كلنا نعرف هذه البندقية أيها الأصدقاء. لا وجود لبندقية أخرى في تعز، والحديث عن نظرية المؤامرة يبدو قتلا آخرا لهذا الرجل. ألا تلاحظون أن تعز هي المنطقة الوحيدة التي تقتل أبنائها نظرية المؤامرة. هي المدينة الوحيدة في الكوكب التي تأتي إليها كائنات فضائية وتقتل أبنائها وتعود إلى كوكب نائي في مجرة قريبة من شارع التحرير. أنا مع ما كتبه عبد العزيز الهداشي، ذات يوم ” كل قتيل في مناطق سيطرة الحوثي يتحملها الحوثي، وكل قتيل في مناطق سيطرة الانتقالي يتحملها الانتقالي، وكل قتيل في الساحل يتحمله طارق عفاش، وكل قتيل في تعز ومأرب وشبوة يتحملها حزب الإصلاح“. إن السلطة المحلية في تعز هي البندقية الوحيدة التي نعرفها. والتي عليها أن تحمينا من الأطباق الطائرة، ومن سلاحف النينجا. والتي عليها أن تتحلى بالشجاعة ولو لمرة واحدة فقط، وتخبرنا من قتل من .. لا يمكن أن تنجو السلطة المحلية من أي جريمة، فهي البندقية الوحيدة في المدينة، وإن لم تقتلنا هي، فهي تقتلنا بالإهمال، والتقصير عن أداء مهامها التي وجدت من أجلها كأي سلطة في العالم، أو في اليمن لا أكثر. تظل السلطات مدانة حتى تثبت برائتها.
لم تكن تعز هكذا على مر العصور. يبدو أن السلطة المحلية في تعز نجحت في تحويلها إلى ثقب أسود يلتهم كل من يقترب منه. هذه ليست تعز التي نعرفها. السلطة المحلية في تعز هي عدو تعز الأول. ما الذي فعلته هذه السلطة لتعز. سوى حشد قطيع هائل من القتلة والمتوحشين وشذاذ الآفاق وتسميتهم جيشاً، لأول مرة قي تاريخ البشرية يرتدي قطاع الطرق ملابس الدولة ويحاصرون منازل أسرة بكاملها، ويقتلون ويقتلون ويحرقون كل شيء في طريقهم على مسمع ومرأى من قيادة المحور، كما حدث لأسرة الحرق في تعز، المحور الذي نجح فقط في طربلة الجبهات، وقمع المظاهرات السلمية، وتهريب البترول والسلاح.
من صفحة الكاتب على “فيسبوك”