حين غضب الشيباني
حسن عبد الوارث_ تعز اليوم:
في أحد أيام العام 2017 م تلقّى رجل الأعمال اليمني المعروف علوان سعيد الشيباني دعوة لزيارة السعودية من أحد كبار رجال الأعمال السعوديين . وخلال تواجده في أحد المطارات السعودية لاستكمال اجراءات الدخول الى البلد ، حدث أمر جعل الرجل يغضب غضباً شديداً ، غير أن هذا الغضب جعله أيضاً يفكر بصورة ايجابية جداً .. فكيف كان ذلك ؟
وجد علوان ضابط الهجرة السعودي يتعامل مع كل مواطن يمني يقف أمامه لاتمام الاجراءات اللازمة بغطرسة مبالغ فيها وتصل حدّ التحقير ، فحزّ في نفسه كثيراً أن يكون هذا هو جزاء اليمني الذي قام ذلك البلد الجار على كاهله منذ منتصف القرن الماضي . وفي لحظة بالغة الانفعال جراء هذا الموقف ، قرر الشيباني أن يحجم عن فكرة تلبية الدعوة بزيارة المملكة ، طالباً من الضابط أن يعيد اليه جوازه ليغادر دون اتمام الاجراءات ، الاَّ أنه فوجىء بضابط الهجرة يخاطبه بصلف واضح : والى أين ستذهب بجواز سفرك ( اليمني ) هذا ؟ انه لا يؤهلك للحصول على تأشيرة دخول أيّ بلد ! .. واحمد ربّك أنك حصلت على تأشيرة دخول المملكة !
أغاظه هذا الكلام الوقح أكثر ، فاذا به – في لحظة انفعال أشدّ من الأولى – يُشهر في وجه الضابط السعودي المتغطرس جواز سفره الاسباني الذي كرّمه به ملك اسبانيا شخصياً ، فاذا بالضابط يُغيّر فوراً نبرة كلامه وأسلوب تعامله من النقيض الى النقيض ! .. وكما يقول أخوتنا المصريون بسخريتهم اللذيذة : ” ناس تخاف ما تختشيش ” !
هذه الحادثة – كما قال علوان – جعلته يُفكّر مليَّاً في معاناة اليمنيين في المهجر ( في الأعوام القليلة الماضية بالذات ) خصوصاً في بعض دول الجوار ، مُستعيداً بذاكرته الثمانينية أدوار اليمنيين في تنفيذ أعمال البُنية التحتية وغيرها من المشاريع الانشائية والانمائية في دول الجوار ، لاسيما خلال النصف الثاني من القرن الماضي . وأضاف بمرارة : مما يؤسف له أن بعض بلدان الجوار وبعض البلاد العربية قد تنكّرت للدور الحضاري لليمنيين في نهضتها الاقتصادية والاجتماعية ، وكأنّها تُجازيهم جزاء سينمار !
وجرّاء تلك الواقعة في ذلك المطار في ذلك البلد ، ولدت فكرة في ذلك الرأس الشيباني الأصلع ، ترجمها علوان الى خطة منهاجية مدروسة ومحسوسة ، ثم قامت بتنفيذها مؤسسة الخير للتنمية الاجتماعية التي يرأسها شخصياً ويشرف على مشاريعها الكثيرة . تبلور هذا العمل متجسداً في اعداد دراسة موسوعية متكاملة عن دور المهاجرين اليمنيين في مختلف أصقاع العالم منذ بدء بروز ظاهرة الهجرة اليمنية الى هذه اللحظة . وقد بدأ الرجل مشروعه بعقد جلسات نقاش في أواخر العام 2019 م مع عدد من المثقفين والمؤرخين والمتخصصين والمهتمين ، تشكّل على اثرها فريق عمل للدراسة والبحث والتأليف ، كان لكاتب هذي السطور شرف الانتماء اليه .
وعلى مدى قُرابة عامين أُنجزت أبحاث ودراسات وأطروحات في شتى جوانب الموضوع الذي طمح اليه علوان الشيباني ، والذي لا يزال يطمح الى تطويره بأجزاء ومراحل متصلة لاحقة . وهكذا سيصدر قريباً جداً العمل الموسوعي ( الآثار المتبادلة للهجرة اليمنية ) ليحكي للقارىء والباحث والمهتم فصولاً خالدة وأخرى منسية من سِفْر الهجرة اليمنية الى بلدان ، صار المهاجرون اليمنيون فيها رؤساء جمهورية ورؤساء حكومات ووزراء وأصحاب رؤوس أموال ضخمة جداً يرفدون خزائن تلك الدول بالمساعدات والقروض ، بل ويتجاوز حجم رؤوس أموالهم في حالات كثيرة حجم ميزانيات تلك الدول !
هذه غضبة شيبانية ، لا مُضرية ، شبَّت في رأس رجل وطني غيور ، لكن الرجل الذي يحمل مشروعاً حقيقياً في حياته ، أحال الغضبة الى فكرة خلاقة ثم الى خلايا عمل جاد جداً ، صار له أن يفخر به حتى آخر يوم في عمره المديد باذن الله .
من صفحة الكاتب على “فيسبوك”.