مما لا شك فيه أن الدولة التي نحلم بحضورها جميعاً سواءً على المستوى الوطني أو المستوى المحلي، سوف يستحيل بناؤها، أو أن يتحقق وجودها المادي والمعنوي في الواقع السياسي والاجتماعي بدون وجود رجال دولة يتقلدون ابتداءً مفاصل السلطة العامة ومؤسساتها، لا سيما عندما يخوض المجتمع السياسي معركة بناء الدولة أو يكافح من أجل استعادة مؤسساتها كما هو الحال في مدينة تعز.
فالدولة المؤسساتية كما يقول الفيلسوف بردو (هي فكرة تُدرك بالفكر) والفكر الذي يَدرك الدولة -كفكرة يجب أن تتجسد في واقع الناس- لا يعنى سوى وجود حالة من الوعي السياسي والاجتماعي لدى الحكام والوزراء والنواب والمحافظين والوكلاء ومديري العموم والقادة العسكريين بمفهوم الدولة ككيان سياسي وقانوني ناظم للحاكم نفسه قَبل أن يكون ناظما للمحكوم، لأن الأول أكثر قدرة على ممارسة الفساد والسطو على المال العام، هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن الفكر المقصود سابقاً يعنى ضرورة أن يتحول الوعي السياسي والاجتماعي لهؤلاء السلطويين إلى سلوك سياسي/ إداري/ مؤسسي/ بالمعنى الذي يحول الدولة التي تدرك بالفكر أو من حضورها السياسي والقانوني إلى كيان وطني يتجاوز مفهوم السلطة بكل أشكالها وأبعادها الشخصية الارتجالية، أو الحزبية، وحتى المناطقية، لذا يقال في وصف البعض النادر من السياسيين أو من كبار المسؤولين في السلطة، فلان رجل دولة/ فلان رجل وطني/ وهؤلاء نادرو الوجود في اليمن ومعدومون في تعز اليوم، والحديث يتعلق بحق من يشغلون الآن مواقع المسؤولية في أجهزة السلطة، لكن المجتمع لديه الكثير ممن يعول عليهم.
يعرف المختصون والدارسون في تاريخ الفكر السياسي أن السلطة وجدت تاريخياً من أجل أن تحكم جموح الأفراد وتوفر الحماية لهم من جور بعضهم، لكن اختراع فكرة الدولة نظرياً في العصر الحديث كان من أجل مواجهة سوء استخدم السلطة من قبل الحكام أنفسهم تجاه شعوبهم، ما يعني أن الانتصار لفكرة الدولة على حساب السلطة في تعز يتطلب عملياً وابتداءً وجود رجال دولة يتم الدفع بهم إلى مواقع السلطة فهل تم ذلك؟؟؟
أقل ما يقال عن رجل الدولة أنه موظف عام يستشعر دائماً (وجدانيته الوطنية) في كل قراراته أنه محاط بكيان سياسي وقانوني (الدولة التي يجب أن يجسد حضورها حتى وإن كانت غائبة)، وأنه مع هذه الإحاطة قد أصبح مجرد موظف عام في خدمة المجتمع وليس حاكما يسلب أرزاقهم أو يضاعف معاناتهم بقرارات جزافيه، كما هو حال محضر الاتفاق بين الوكيل عارف جامل وقيادة محور تعز العسكري، وهو المحضر الذي حمل المواطنين أعباء فوق معاناتهم التي أصبحت لا تطاق ولا تحتمل، ناهيك عن كون ما ورد في محضر الاتفاق يؤكد من منظور سياسي بأن الموقعين على المحضر عسكريون ومدنيون ليسُوا رجال دولة، بل حكام سلطة لديهم عقلية سلطوية تعود إلى عصر ما قبل الدولة.