على مدى الأسابيع الماضية، اجتمع في الرياض وفدا الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من التحالف، وسط مواقف متقطعة من جانب الانتقالي أشارت إلى أنه ربما تعرض لضغط ناعم من الجانب السعودي لدفعه نحو التنازل عن بعض المكاسب الكثيرة التي حصدها من اتفاق الرياض، فيما تبدَّى هدفُ الاجتماع الأخير في شكل مسعى لوقف ما وصفه بيان للخارجية السعودية بـ: التصعيد السياسي والإعلامي والاقتصادي.
تضمن ذلك البيان ما يمكن وصفه بـ: الجزرة السعودية المعطوبة التي قدمتها إلى الشرعية، وهي إدانة التصعيد الإعلامي والقرارات السياسية التي أجراها المجلس الانتقالي، وتأكيدها على عودة الحكومة التي تتضمن وزراء من المجلس الانتقالي إلى عدن كأولوية قصوى.
حام البيان حول النقاط الجوهرية ولم يقترب منها مطلقاً، وأهمها التنفيذ الكامل للشق العسكري والأمني، وهو استحقاق يتهرب منه المجلس الانتقالي بعد أن باتت الشرعية مجرد شخوص عُزَّل، لا مأوى آمنا لهم في مدينة عدن، فيما تتمثل النقطة الجوهرية الأخرى في تمكين الشرعية من فرض نفوذها الأمني والعسكري في ما يفترض أنها العاصمة السياسية المؤقتة للبلاد.
ما فهمته من البيان السعودي، أن المملكة ماضية في استثمار اتفاق الرياض وتفكيكه إلى الحد الذي يجعله مجرد غطاء لمخططات تفكيك اليمن والاستحواذ على مقدراته الجيوستراتيجية، وحتى تتمكن المملكة من تحقيق غاياتها كاملة، وهي تثبيت المجلس الانتقالي كسلطة موازية في عدن والجنوب وتتمتع بصلاحيات التحكم بمقدرات الجزء الجنوبي من البلاد، وهي الصلاحيات التي يجري سحبها تدريجياً بموجب هذا الاتفاق من السلطة الشرعية بقياد الرئيس عبد ربه منصور هادي؛ الذي يقوم برحلة علاج عائلية في الولايات المتحدة مخلفاً وضعاً يمنياً أشد مرضاً.
وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك أبدى ترحيباً بالبيان السعودي، كما لو كان ما حققه التفاهم الأخير إنجازاً مريحاً للسلطة الشرعية.
لا أدري كيف يقرأ الوزير ابن مبارك ما تقوم به السعودية، أم أن هناك إجراءات تخفيها السعودية عن أنظار الآخرين وتصب في صالح إنهاء نفوذ الانتقالي، وهذا أمر في الحقيقية ليس متاحاً لأن الذي أنتج الانتقالي هو التحالف، وفي ظاهره الإمارات بصفتها الطرف الأكثر جرأة وصلفا ووقاحة.
تبدو الحكومة مرة أخرى في محل الاستجداء المذل للوصول إلى عاصمتها، في ظل توفر معطيات عديدة على أن الذين يشرفون على الاتفاق ليسوا في وارد تأمين الحماية للحكومة ورئيسها، ولا ينوون تسخير نفوذهم العسكري لإنهاء الفوضى في عدن.
وحتى لا يُفهم كلامي بأنني أثبت فكرة أن الطرف الآخر الذي يمثله الانفصاليون هم الطرف الأقوى والمتحكم، فإنني أود التوضيح بأن الأمر ليس كذلك مطلقاً، فالمجلس الانتقالي وفصائله المناطقية المتناحرة عبارة عن هراوة في يد التحالف يضرب بها متى ما شاء، والانتقالي أوهن من بيت العنكبوت، إنه مجرد عصابة ملكت كميات كبيرة من الأسلحة، وتفتقد للرؤية السياسية والأخلاقية، وتدفع بالجنوب إلى مستويات خطيرة من الصراع وانعدام فرص التعايش.
انظروا إلى الشاب بلال الطيب الميسري، وهو كما يفهم من لقبه ينحدر من محافظة أبين المجاورة لعدن والتي ينحدر منها الرئيس الجنوبي عبد ربه منصور هادي، وقد استُهدف بالقتل على ما يبدو لهويته المناطقية والسياسية معاً، فهو من نشطاء الإصلاح، ويظهر من سيرته أنه كان شاباً مهذبا وديعاً ولم يكن جزءا من وقود الصراع بدوافع المختلفة.
ولكن على ما يبدو أن هناك عناصر في المجلس الانتقالي ومليشياته باتت تتوسل قتل المتدينين والإصلاحيين والناشطين من خارج المنظومة الانفصالية الجنوبية، من أجل الحصول على مكاسب فورية من أبو ظبي التي أعلنت صراحة أن جزءا من مهمتها في اليمن كان لمحاربة الإخوان المسلمين، وهي التسمية التي تنطبق على كل من ينتسب إلى التجمع اليمني للإصلاح.
حوادث العنف والقتل والاعتقالات والانتهاكات بالعشرات في مدينة عدن، خلال الشهر الأخير، وهناك طرف واحد يقوم بكل هذه الأعمال الإجرامية؛ إنه المجلس الانتقالي وفصائله المليشياوية ومجرمو القتل التابعون له، وجميعهم تابعون لأبو ظبي.
حينما يتساءل المراقب عن الثمن السياسي لكل هذه الفوضى، سيجد ألا ثمن سياسياً يمكن أن يحصده المجلس الانتقالي، وكل ما في الأمر أن أبو ظبي ماضية في تأكيد قيادتها لعملية أمنية قذرة تسميها “مكافحة الإرهاب”، كذريعة للتصرف في اليمن بدون أي سقف أخلاقي توسل الدعم الغربي المفتوح لمثل هذه النوع من المهام.
ولمَ لا، فحينما يتعلق الأمر بقتل المسلمين فلا يهم إن كان ما يقوم به هؤلاء القتلة المجرمون انتهاكاً لحق الحياة وللحريات أو استهدافاً لأعداء مفترضين، وأبو ظبي باتت رأس حربة هذا الجهد العدائي الموجه ضد أمتنا.
لست أدري لماذا ستعود الحكومة إلى مدينة لا تأمن فيها على نفسها، وما من سبب واضح يدفع السعودية إلى تفريغ اتفاق الرياض من مضمونه أو تفكيكه كما نرى اليوم، سوى أنها ترغب بالفعل بدفع الحكومة الشرعية إلى القيام بدور المنتج المنفذ لمشروع الانفصال، لأن المجلس الانتقالي إن استمر في التصرف بموارد الدولة والتحكم بكل شيء في منطقة واسعة من البلاد، فذلك يعني أن السعودية ومعها الإمارات ترعيان الانفصال رعاية كاملة مباشرة وصريحة.
يريدون تحقيق أهدافهم من خلال الحكومة التي تخلو في الأغلب الأعم من الوطنيين والشرفاء والمخلصين، والرجال الأقوياء، لهذا يستمرون في الدفع بالحكومة إلى مستنقع عدن لكي يتصرف الأشرار تحت مظلتها بما بقي لليمن من وجود وكرامة.
*نقلًا عن عربي 21