سقوط القيمة التاريخية للجحملية في لياليها
سهير السمان
تعرض قناة يمن شباب المسلسل الرمضاني ليالي الجحملية ، والذي حسبت عند مشاهدتي للتتر أول مرة أنه سيكون على مستوى متقدم من الأعمال السابقة للدراما اليمنية، ولكن بعد مشاهدتي للحلقات أصابني الذهول لما يقدمه هذا المسلسل من رداءة و تستطيح وتغييب لحقيقة الجحملية وعمق تاريخها . وهنا سأركز في مقالي هذا على شخصيات العمل الدرامي.
سلبية الشخصيات
لقد أظهر العمل جميع شخصيات المسلسل بمظهر سلبي للغاية، على جميع المستويات، فمن خلال تتابع الحلقات إلى الآن؛ لا نجد نصا أو حبكة درامية أو حوارا ينهض بعملية رسم أبعاد الشخصية وجوانبها المختلفة .
فقد حرص العمل على إظهار جميع الشخصيات بعقلية تافهة حتى في طريقة تعاملها مع مواضيعها اليومية.
فشخصية عاقل الحارة الذي جسدها فهد القرني، شخصية سلبية تافهة، يسيطر على تفكيرها فكرة واحدة وهي فكرة الإنجاب. بالمقابل تصر زوجته في تكرار عقيم للمشاهد أن تدس له السحر من أجل أن ينصرف عن الزواج من أخرى. فهل هذه هي الشخصية التي تمثل عاقل الحارة اليمنية في الواقع ؟
فالتركيز على جانب واحد في الشخصية وهو البعد الخارجي ؛ يسري على بقية شخصيات المسلسل، وتكاد نفس الجمل التي تقولها كل شخصية هي نفسها الجمل التي تتكرر في كل حلقة، فمثلا امرأة الفقيه في جملتها ( كسروا أيدك ياللي تدق الباب) ( هيا اتعشي وافقيه) . تعطي انطباعا سلبيا عن المرأة التي لا اهتمامات لها سوى كيف تُبقي على زواجها. وإن كان هذا موجودا في الواقع فللفن دور آخر وهو الغوص عميقا في شخصية مثل شخصية هذه المرأة حيث يبحث ويبرز الخلفيات الاجتماعية أو أسباب تنميط دور المرأة في المجتمع اليمني وحصره في هذا الدور، بمعنى خلق أحداث موازية وشبكة علاقات تحيط بهذه الشخصيات.
أما نبيل الذي تعرض محله وبيته الكبير للسرقة، فهو أيضا شخصية سلبية، يجهل تاريخ جده أو أبيه، فهو لم يعر الصورة المسروقة أي اهتمام، وهو هنا إنما يمثل صورة المواطن الذي يجهل تاريخ مدينته، ولا يعيرها اهتمامه وهذا غير صحيح، أما اللصان حنش، وخفيف، فهما أيضا يمثلان دورا سلبيا للغاية؛ لا يطرحان الأسئلة ولا يفكران في طلب السائحين لسرقة صورة قديمة.
من ناحية أخرى ما نلاحظه أثناء المونولج الداخلي لدى الشخصيات أنه بصوت مرتفع، فلماذا لا يكون المونولج صامتا، نستشعر منه غوص الشخصية مع ذاتها وصوتها الداخلي.
قدم العمل مساحة واسعة للمرأة، من خلال عرض أكثر من شخصية، فهناك المرأة المكافحة، التي تمثلت في شخصية غدير، وأم آدم، والطبيبة، وفتيات صبر، ولكن ما نلحظه أن المرأة في أدوارها لم تكن سوى صورة للعرض، وغير فاعلة في تصعيد الحدث، جمل قصيرة لامعنى لها ومبتورة، وليست مبررة، أغلبها تحوي على الشتيمة والدعاء.
وهكذا نجد بقية شخصيات المسلسل، شخصيات سلبية لا تمثل القيمة التاريخية للمواطن الحقيقي في مدينة تعز عامة والجحملية خاصة.
وهنا أقول أن المسلسل لا يمثل من قريب أو بعيد المواطن اليمني الحقيقي بشهامته ورجولته أو المرأة بخلفيتها التاريخية، فتاريخنا مليء بالرموز الوطنية رجالا ونساء ، فكان يجب على من يكتب نصا دراميا عن مدينة تاريخية مثل تعز أن يستدعي تلك الشخصيات التي كان لها الدور البارز في النضال، لإعادة هيبة الشخصية اليمنية في ظل هذا الواقع المتشظي .
إن عملا مثل عمل ليالي الجحملية إنما هو عمل تدميري، بالدرجة الأولى لا علاقة له لا بالفن أو الدراما، ولا يمثل الجحملية ولا تاريخها، عمل كتبته عقول لا علم لها بالفن أو التاريخ أو الواقع الحقيقي للمواطن، عقول سيطرت عليها ثقافة التفاهة والتسطيح والتبلد.