عند انطلاق معركة تعز الأخيرة كان يتوقع الجميع أن تحرر كامل تراب تعز وتستنزف ميليشيات الحوثي بشكل كبير، خاصةً وأن انطلاقها جاء في ظل فرصة مواتية عند انشغال الحوثي بمعركة مأرب، وهو ما يجعلها تستكمل تحرير تعز بسهولة، وتخفف الضغط الحوثي على مأرب، ولكن ما حصل كان العكس، إذ أنها لم تستطع التقدم الكبير، بل خسرت عدة مواقع كانت مسيطرة عليها سابقاً، ولم تستنزف الحوثي ليسقط ضحاياه بشكل كبير، ولم تخفف الضغط على مأرب، وهذا ما يعد فضيحة كبيرة ووصمة عار في جبين قيادات تعز العسكرية.
ما يقارب خمسين ألف جندي يتبعون محور تعز العسكري.. هذا العدد كافٍ لأن يحرر كل تعز ويأمنها بوقت قصير.
أنا شخصياً أطالب أن تمنحوني قيادة هذا العدد من الجنود وسألتزم بتحرير كامل تعز وإب والتقدم نحو صنعاء.
ولكن للأسف جيش محور تعز بكامله لم يستطع التغلب على أربعة آلاف عنصر ميليشاوي حوثي يسيطرون على جزء من مدينة تعز وعدد من مديرياتها ويحاصرونها من شرقها إلى غربها.
والأسوأ من ذلك، أن قيادة معركة تعز لا زالت مستمرة في جمع التبرعات بعد فشلها.
وكان يفترض أن تعيد ما أخذته من أموال من الناس، تقدر بمئات الملايين من الريالات جمعتها من تبرعات في المساجد والمدارس والتجار وجميع أبناء تعز.
فالناس قدموا الدعم المادي والنساء تبرعت بحليها على أساس استكمال تحرير كل تعز، وما دام أن قيادات معركة تعز لم تفي بالشرط ولم تحقق أي تقدم يذكر، فعليها أن تعيد ما أخذته من الناس وتعتذر لهم، لا أن تستمر في جمع التبرعات ويصل بها الأمر لخصم مبالغ من مرتبات موظفي تعز.
يجب محاسبة قيادة معركة تعز على الفشل في المعركة عسكرياً وعلى جمع التبرعات ومصادرتها، ويجب الكف عن خصم مرتبات الموظفين، إذ لا يعتبر ذاك إلا أن قيادة تعز تنظر لمعركة الحرب على أساس أنها مشروع استثمار يجب أن يدر لجيوبها الكثير من الأموال لا مشروع تحرير يجب أن يخلص كل تراب تعز من ميليشيات الحوثي.
هناك أسباب عدة لفشل معركة تعز.
السبب الأول: وجود الفساد في المؤسسة العسكرية، وعدم وجود التدريب المطلوب والبناء المؤهل.
إذ أغلب قوات محور تعز البشرية عبارة عن أسماء وهمية، والبعض عناصر في المنازل، ولا يوجد في الميدان سوى قلة قليلة من الموارد البشرية عسكرياً.
والحل هنا يكمن في تطهير المؤسسة العسكرية من الفساد، والقيام بتدريب وتأهيل عسكري مناسب، وإعطاء الخبز لخبازه، يجب أن تكون القيادات مؤهلة ومتخصصة.
السبب الثاني: الإقصاء والتهميش لبقية الأطراف وإدخال تعز في أتون صراع داخلي أعاق وحدة صفها.
التعامل الحزبي ومحاولة الاستحواذ من قبل طرف واحد أظهر أن قوات تعز كانت سابقاً أقوى من اليوم.
استبعاد أبو العباس وإقصاؤه أظهر أن تعز كانت قوية بشكل كبير سابقاً عند تواجده، بل أن كتائب أبو العباس هي من قامت بعملية التحرير السابق في تعز، وأن قوات محور تعز لم تحرر شيئاً ولو كانت قامت بعمليات تحرير سابقاً لما فشلت اليوم في إحراز أي تقدم.. فكتائب أبو العباس التي لم يتجاوز عددها عدد لواء عسكري هي أقوى من خمسين ألف جندي يتبعون محور تعز.
والحل هنا يكمن في تخليص تعز من عملية الإقصاء والتهميش وإشراك جميع الأطراف، وجعل تعز لكل التعزيين وكل اليمنيين لا لطرف واحد.. واليد الواحدة لا تصفق.
السبب الثالث: عدم وجود التوجه الصادق لتحرير تعز من الحوثي عبر اتخاذ خطة مطلوبة تتضمن انطلاق كل جبهات تعز والتقدم لتحريرها من الأمام باتجاه الحوبان والشرق والغرب.
إذ كان توجهاً حزبياً ينظر للمناطق للمحررة وليس للمناطق غير المحررة، ويهمه استهداف الأطراف المناهضة للحوثي لا استهداف الحوثي، فكان توجهاً جزئياً هدفه السيطرة على المحرر وسرقة جهود الغير في تحرير عدة مواقع سابقاً وإنسابها لنفسه.
من جهة أخرى، فإن مبررات قيادة معركة تعز العسكرية عن فشلها يعتبر عذراً أقبح من ذنب.
فمثلاً عندما ادعت أن تراجعها من مواقع عسكرية سببه اختراق الحوثي لأرقام هواتفها وإرسال رسائل لجنودها بالانسحاب.
أليس هذا المبرر دليلاً على أن قيادات معركة تعز العسكرية تدير معاركها من غرف النوم ومواقع التواصل وليس من الميدان العسكري.
القائد العسكري يتقدم صفوف المعارك ويلقى أوامره وتوجيهاته عبر صوت شفهي في الميدان لا عبر اتصال جوال.
من يلقون بفشلهم في ساحة المعركة على الاتصالات بحجة اختراقها من قبل الحوثي ومراقبتها، فعليهم أن يعلموا أن الحروب والمعارك سابقاً وعبر التأريخ تم خوضها في ظل عدم وجود جوال موبايل ولا واتس ولا فيس بوك، ويجب أن يعلموا أن وسائل الاتصالات وجدت للتواصل المدني والسؤال عن الأهل والأقرباء وتفقد أحوال الأصدقاء والاستفسار في أعمال إدارية وشخصية وعائلية معينة وليس لإدارة معارك عسكرية.