تمر متغيرات، وتطرأ طوارئ على رجال دين متطرفين، فيتغيرون أو على الأقل يعدلون في سلوكهم، ويتخلصون من بعض القمامات الثقافية، إلا الشيخ عبد المجيد الزنداني باقٍ كما هو.. أدرج مجلس الأمن الدولي، وأدرجت الخزانة الأميركية، اسمه في قائمة داعمي الإرهاب ومموليه، ومع ذلك بقي الإرهاب مشتعلا في رأسه، وطريا على لسانه.. أكره على البقاء في اليمن منذ العام 2001، بعد أن كنت تراه صبحا في الرياض، ووقت الظهر في الخرطوم، وعند الأصيل في الدوحة، وعندما يتخفف من رقابة العيون الأميركية، يعود إلى أعياء الإرهاب، مثل المعاود الذي شبهه اليدومي بتلك التي تحلف تحت تأثير آلام المخاض أن لا تضاجع زوجها مرة أخرى، وبعد الولادة سرعان ما يعود شبقها للجنس!
عمل مع المخابرات الأميركية لتجنيد الشباب وتأهيلهم فكريا، ثم حشدهم إلى بلاد الأفغان باسم الجهاد، فتحولوا إلى إرهابيين، وتخلت عنهم واشنطن، وفي الأخير قال مسئول كبير في السي أي إيه، لقد سحب الاتحاد السوفييتي قواته من أفغانستان، ولم نعد في حاجة للتعامل مع إرهابيين وتجار مخدرات.. وانتشر كما انتشر الأفغان العرب في ساحات الغضب، وبعد سنوات قليلة وضع اسمه ضمن قائمة داعمي وممولي الإرهاب في العالم.. قيدوا حركته، كما راقبوا تصرفاته المالية، وظل رهين المحبسين في اليمن: مجلس الأمن والمخبرين الأميركيين، وقال قائلون: ها هو الإرهاب قد أعيا الشيخ، فنبذ إرهابه وسنينه، وتفرغ لجامعة الإيمان، والاعجاز العلمي في القرآن، واختراع دواء لداء الإيدز، وبركات أخرى.. فإذا بالدنيا تكتشف أن جامعة الزنداني للإيمان، فقاسة إرهاب، وإذا بالأطباء النطس يؤكدون أن خلطة العسل والنباتات الصينية الغريبة التي باعها لزبائن مغفلين مصابين بفايروس الأيدز أضرت في صحتهم ونشطت الفايروس زيادة، وذلك بعد أن حللوا الخلطة السحرية في مختبرات علمية، من بينها مختبر أحدث مستشفى في المملكة العربية السعودية.. أما جهوده في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، فهي- والحق يقال- مثمرة للغاية، وما العجب! فالزنداني قد ألف كتابا عنوانه بينات الرسول صلى الله عليه وسلم ومعجزاته.. قرأ في الكتب القديمة أثرا منسوبا للرسول ينصح بغمس الذبابة إذا وقعت في الإناء لأن في أحد جناحيها داء وفي الثاني دواء، وذهب الزنداني في مهمة الفوائد الصحية للذباب، ولم يتوقف حتى بعد أن خرج أربعة علماء بيولوجيين، من أربع جامعات في أربع قارات، بنتائج بحوثهم العلمية التي أكدت أن الحشرة الأقذر في الوجود، هي سبب رئيسي في نقل ونشر الأمراض الفتاكة.. ومن معجزات الزنداني أنه يحمل لفظا قرآنيا واحدا، معنيين مختلفين اثنين متناقضين: في الصباح يقول لنا إن كلمة دحاها في الآية القرآنية(والأرض بعد ذلك دحاها) جاءت من الدحية وهي البيضة، وفي ذلك دليل إن القرآن قد قرر أن الأرض كروية الشكل.. أما قبل الغروب فيؤكد الزنداني إن كلمة دحاها القرآنية نفسها، هي إشارة إلى النظرية العلمية القائلة إن كل المياه الموجودة اليوم خرجت من بطن الأرض! ومن جرأة الشيخ الزنداني في مجال الاعجاز العلمي، أنه اكتشف إن القرآن قال: وأنزلنا الحديد.. أي أن مادة الحديد الموجودة في قلب ووسط وسطح كوكب الأرض، أنزلت إنزالا من الفضاء الخارجي، ودليله على ذلك، أنزلنا.. ووجه الإعجاز هو أن الزنداني قال إنه سأل البروفيسور الأميركي توم آرمسترونج، عالم الفلك، وأحد من بين العلماء والرواد الأربعة الكبار في وكالة الفضاء والطيران الأميركية- ناسا: هل أنزل الحديد من السماء حقا كما ذكر القرآن؟ فأجابني البروفيسور الفلكي رائد الفضاء الذي يشتغل مع وكالة ناسا، بقوله: يستحيل أن يكون قد خلق في الأرض، ولا بدَّ أن يكون قد خلق في الفضاء أولا ثم أنزل إلى الأرض، وهذا ما اكتشفناه نحن في الربع الأخير من القرن العشرين، بينما قرآنكم يا شيخ ذكر هذه الحقيقة العلمية قبل أكثر من ألف وأربع مائة سنة.. ولأن الزنداني ذكر هذه الرواية في كتابه، وفي مقال، وفي محاضرة علنية، خرج توم أرمسترونج وتكلم عن الافتراء والمفترى عليه علنا، فقد خرج يرد، فطفح بعبارات قليلة واضحة، قال: أولا، أنا لست رائد فضاء.. ثانيا، لم أعمل في وكالة الفضاء والطيران الأمريكية- ناسا.. ثالثا، طوال 35 عاما عملت أستاذا للفيزياء وعلم الفلك في جامعة كنساس الأمريكية، وتقاعدت منذ 8 أعوام لأعمل لدى القطاع الخاص في مجال التقنيات.. رابعا، أنا لم أقل للزنداني إن الحديد أنزل من مكان ما من الفضاء أو من السماء إلى الأرض، فما نسبه إلي الزنداني ليس صحيحا، كل ما في الأمر أنه في ثمانينيات القرن العشرين دعيت لزيارة مدينة جدة لمقابلة طلبة أجانب والشيخ عبد المجيد الزنداني، ولم يكن هناك أي ذكر لأي مسألة دينية، وأقصى ما عرفته أن الزنداني رجل دين، وقد قابلته في غرفة مجهزة بأجهزة تسجيل في أحد الفنادق، وجرى حوار بوساطة مترجم حول قضايا مختلفة، ثم ظهر الزنداني ينسب إلى كلاما لم أقله، وليس صحيحا ما نسبه إلي عن الحديد، بل أقول إن ما نفهمه هو أن الحديد ومعه كثير من العناصر الكيميائية كان موجودا في الزمن الذي أدت فيه العمليات الطبيعية إلى تشكيل النظام الشمسي، وليس من الضروري وجود سحر، أو أمر خارق للطبيعة، أو إلهي لتفسيره!
فرغ الزنداني من تسالي الخلطة والإعجاز، وفرية ناسا، ورجع مرة ثالثة إلى الإرهاب، فاشتغل مع المخابرات التركية لتجنيد مقاتلين يمنيين وإرسالهم إلى تركيا منذ عام 2012، وتركيا بدورها وجهتم إلى سوريا للقتال ضد الأسد، إلى جانب الجماعات الإرهابية الموالية لتركيا.. عند نهاية العام 2014 سلبت الجماعة الحوثية من الزنداني جامعته، وزعمت أنها وجدت فيها معامل لصنع الأحزمة الناسفة، وأقنعة اخفاء الوجه، ومخازن أسلحة.. وبعد سلبها مؤسسات الدولة وقمع معارضيها فر الزنداني منها إلى السعودية، وبقي هناك صموتا، ويبدو أن حكومة السعودية شعرت بالحرج أمام مجلس الأمن والادارة الأميركية، بسبب استضافتها رجل متهم بدعم وتمويل الإرهاب، لذلك انتقل منها إلى تركيا دون أي ضجيج، وكان ذلك في شهر نوفمبر 2020، وهناك في أنقرة نسى الشيخ جامعة الإيمان كما نسى جماعة الحوثي، واستأنف وظيفته الأصلية للمرة الرابعة، وهذه المرة توظيف خبراته وعلاقاته مع الجماعة الإرهابية الأم، ضد الجمهورية اليمنية، لمصلحة دولة الخلافة الأردوغانية.. لقد أعيانا هذا الشيخ!