كانت بلاد الصبيحي التي تمتد من كرش شرقاً حتى باب المندب غرباً تتبع السلطنة العبدلية بلحج. وكانت مقسمة إدارياً إلى مراكز ثلاثة هي كرش، طور الباحة، والشط، غير أن مركز طور الباحة كان الإدارة الرئيسية التي يطلق عليها الأهالي الحكومة، وفيها نائب للسلطان، يعد السلطة العلياء ويد السلطان من حيث اختصاصاته وصلاحياته، إضافة إلى وجود المحكمة الزراعية والمحكمة الشرعية، ناهيك عن السوق الأسبوعي يوم السبت، الذي يشكل جامعاً لكل قبائل الصبيحة.
لم يحدث أن زار أي من سلاطين لحج بلاد الصبيحي.. وكان السلطان يخصص يوماً في السنة لاستقبال عقال ووجهاء ومشايخ الصبيحة، فيأتي أي منهم إلى الحوطة، حيث المبنى الرئيسي للسلطنة ويسمى مجلس المديرين، وذلك في عهد السلطان فضل ابن علي آخر سلاطين لحج، ويقدم رسالته التي يؤكد فيها وصوله لزيارة السلطان إلى مدير مكتبه، ثم ينتظر الإذن له بالدخول أو تحديد موعد.
كان مدير المكتب يتفنن في تعذيب القادمين لزيارة السلطان، وكان الشيخ علي محمد العطري (روح بلاد الصبيحي) من الذين لا يقبلون هذا الوضع.
انتظر ذات مرة المقابلة، وبعد مرور أيام جاء إلى مكتب المدير وترك له رسالة عند الفراش، وركب القعود وغادر الحوطة عائداً إلى منطقته.
من دون أن يقرأ مدير المكتب الرسالة قدمها مع جملة الرسائل إلى السلطان، فقرأها السلطان وفيها:
وا مصطفى خطي وين وديته
خطي، أمانة.. كرهت أو حبيت
إن كان قصدك على الطمع قل لي
جيب امحوالة وشل ما شليت.
استدعى السلطان مدير مكتبه مصطفى وطلب منه أن يبحث عن الشيخ العطري ويدخله فوراً، لكن العطري كان قد رحل. أبرقوا إلى نائب السلطان في طور الباحة يومذاك عبد المنتصر، أن يرسل في طلبه ويبعثه إلى لحج فوراً.
احتار النائب في هذا الطلب، ولم يستطع أن يفسره عما إذا كان طلب أمان أم طلب غرم. فإذا كان طلب أمان يكون الرسول إلى المطلوب بمثابة (نابي)، وغير مسلح، أما إذا كان طلب غرم فلا بد أن يكون الرسول مسلحاً.
ولمنزلة الشيخ علي محمد العطري قرر نائب السلطان، وتحت مسؤوليته، أن يكون الطلب طلب أمان، فجاء الرسول بالطلب، وركب الشيخ العطري قعوده متوجهاً صوب طور الباحة، وبينما كان الرسول يسير على قدميه كان هو ممتطياً قعوده (البحري).
توقف الشيخ العطري فجأة، وأناخ القعود وترجل من عليه.. ثم التفت نحو الرسول وقال:
امرعوي راكبو والحكومة تسيرو، والله ما سبرت!!
ثم قال للرسول اركب، وأمسك بخطام القعود يقوده حتى وصل إلى طور الباحة. وعندما قال له النائب أن السلطان يطلبك، رد عليه قل للسلطان البلاد ممطورو، وسقيو، والبوش في نفاخة شاردو من المطر. والموعد بيننا بعد الخير.
من صفحته في “فيسيوك”.