(عَبُّود الشرعبي.. الفدائي الذي دَوَّخ بريطانيا)
يحيى الحمادي_ تعز اليوم:
فجأةً.. تم إيقاف بث أحد البرامج على راديو لندن.. وهناك خبرٌ غير عادي.. (لقد قُتِلَ عَبُّود).. فمن هو عبّود، وما قصته؟!
وُلِدَ الشهيد/ مهيوب علي غالب الشرعبي، أو كما اشتُهر بـ “عَبُّود الشرعبي” في “قرية الجبّانة” عزلة “الدعيسة” في شرعب الرَّونة، عام 1945م، وقد ترعرع يتيمًا، إذ تُوفي والده وهو في الثالثة من عمره، والتحق بالكُتَّاب وأتم حفظ القرآن وبعض المعارف الأخرى وهو في العاشرة من عمره، ثم انتقل إلى عدن، والتحق هناك بالمدرسة الأهلية في مدينة (التوّاهي)، ولكنه اضطر إلى تركها لأسباب معيشية.
وفي العام 1961 التحق “عبُّود” بـ (نادي الأعروق) في (المُعَلَّا) وانهمك هناك بدراسة قواعد اللغة العربية، وتعرَّف على مبادئ وأهداف حركة القوميين العرب، وعند انطلاقة ثورة الـ 14 من أكتوبر في العام 1963م بقيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، صار “عبّود” عضوًا في الجبهة القومية، وضمن قيادة العمل السياسي والفدائي في عدن.
في مطلع العام 1964م سافر “عبّود” مع مجموعة من الفدائيين والمناضلين إلى مدينة تعز للالتحاق بدورة تدريب عسكرية، عاد من بعدها إلى عدن لتشهد بعد عودته العديد من العمليات الفدائية الكبرى ضد قوات الاحتلال البريطاني، وفي نهاية العام 1964م كان قد شغل العديد من المناصب القيادية في قيادة القطاعات الفدائية للجبهة القومية في مدينة عدن، وصار من أبرز قيادات القطاع الفدائي للجبهة القومية في مستعمرة عدن.
وفي يناير من العام 1965م كان “عبّود” عند السادسة فجرًا خارجًا من منزل رفيقه (أحمد قاسم سعيد)، وكان حشدٌ من القوات البريطانية قد طوَّق المكان بعد معلومات من الجواسيس والعملاء الذين شاهدوه يدخل إلى المنزل، ليتم اعتقاله وإيداعه في سجن المنصورة لمدة 6 أشهر، عانى خلالها ما لا يطاق من التعذيب الجسدي والنفسي وصل إلى تقطيع بعض أصابعه، ليتم بعدها نفيُه إلى مدينة تعز.
ولَمَّا كانت قيادة الجبهة القومية المتواجدة في تعز قد عرفت “عبّود” وصِدقَ نضاله ضد المستعمر البريطاني، فقد قامت بابتعاثه إلى الخارج لتلقّي دورات تدريبية عن أساليب وطرق قيادة حرب العصابات والعمل الفدائي، وبعد إتمامه هذه الدورات عاد “عبّود” وقد اتسعت روحُه لعامل جديدٍ يساعده على التعامل مع قوات الاحتلال، وكان أيضًا قد حصل على العديد من بطائق قادة عسكريين مَكَّنَتهُ من تنفيذ عمليات فدائية في أخطر وأهم المواقع البريطانية في عدن.
ورغم أنّ “عبّود” كان في مواجهة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، إلَّا أنه كان يَعلم أن له إخوةً في شمال الوطن يُصارعون فلول الأئمة وحلفاءهم، فكان ممن شكّلوا فِرقًا في عدن لجمع التبرعات المالية وإرسال المتطوعين للدفاع عن الجمهورية، بالإضافة إلى تعقّب وملاحقة فلول الملكيين الذين كانوا يحاربون الجمهورية من عدن وبيحان، وهناك أخبار غير مؤكدة تقول إنه شارك فعليّْا في صف الثورة بمحافظة حجة، كما أنه اكتشف عمليةً كبيرة كان يُخطط لها الملكيون وبإشراف وتموين من الاستخبارات البريطانية، وكانت الخطة تقتضي نسف القيادة المصرية في تعز بسيارة (لاندروفر) مفخخة، لكنَّ “عبّود” اتفق مع الشخص الذي وَقَع عليه الاختيار لتنفيذ العملية وذلك بأن يستلم السيارة المفخخة ومبلغ المكافأة ثم يقوم بتسليم نفسه مع السيارة إلى القيادة المصرية في تعز، وذلك ما حصل بالفعل.
وفي يوم السبت 11 فبراير من العام 1967م كان “عبود” قد استقلّ سيارته المعبأة بالألغام.. وكان قد سبقه رفيقه الشهيد (الدوح) وآخرون إلى مدينة الاتحاد وقاموا بتفخيخ الساحة التي كانت تتهيّأ لإقامة الاحتفال بعيد الاتحاد، حيث سيحضر الاحتفال السلاطين ووزراء حكومة الاتحاد الفيدرالي والقادة والمسؤولون البريطانيون، ولكن لسوء الحظ.. فعند حضور المندوب السامي البريطاني وقائد القوات البريطانية في الشرق الأوسط على متن طائرة مروحية اكتشفوا أن الساحة مزروعة بالألغام والمتفجرات، فلم تهبط الطائرة، وولّى السلاطين والعملاء والضباط البريطانيون هاربين من الساحة، ولكن “عبّود” ورفاقه كانوا قد أعدُّوا خطة (ب) فأمطروهم بوابل من قذائف المدفعية فسقط الكثير منهم بين قتيل وجريح، واستشهد في هذه العملية الشهيد “الدّوح“.
بعدها توجه “عبّود” من مدينة الاتحاد إلى مدينة الشيخ عثمان، وقاد بنفسه هناك المعارك التي اندلعت في نفس اليوم، بين فدائيي الجبهة القومية والقوات البريطانية، ويُذكر أنه كان قد اعتلى سطح إحدى ناقلات الجنود البريطانيين وقام بإلقاء قنبلة يدوية لتنفجر مخلفة العديد من القتلى والجرحى، ثم لاذ بالفرار عبر سوق البلدية في الشيخ عثمان، ولكن جنديًّا بريطانيًّا كان متمركزًا على سطح عمارة البنك القريب من مسجد النور، وكان قد رصده وأطلق باتجاهه عدة رصاصات سقط على إثرها شهيدًا، بعد صولاتٍ وجولاتٍ
أشعلت جذوةَ التحرر والاستقلال والجلاء، وهزَّت كيان القيادة البريطانية، التي اعتبرته أخطر فدائي في مستعمرة عدن.
من صفحة الكاتب والأديب ” يحيى الحمادي” في “فيسبوك”