حين استعيد المشهد الذي صاحب التوقيع على (اتفاق الرياض) في 5 نوفمبر 2019 فمن الضروري مقارنته بمشهد التوقيع على (اتفاق السلم والشراكة الوطنية) في 21 سبتمبر 2014، والاستنتاج المنطقي هو ان الرئيس هادي سعى من خلالهما تأمين استمراره في موقعه مؤقتاً وهو الهدف الوحيد الذي تحقق من الاتفاقين.
في الحالتين، تم التوقيع بعد سقوط مؤسسات الدولة كاملة تنفيذية وتشريعية وعسكرية ومثل ذلك إعلانا لفشل النظام السياسي القائم وإشهارا لعجز قيادات الأحزاب في مواجهة حالة تكررت خلال السنوات الماضية (2012- 2020) ورغم اقتناعي ان الضعف المؤسسي هو في عمقه محصلة عقود طويلة من حكم فردي بمساعدة من الهيئات التي كانت قائمة لكنها كانت تؤدي وظائفها في الحدود الدنيا لخدمة الناس وحفظ الامن العام والسلم الاجتماعي، ولعل الفارق الجوهري هو ان الحاكم حينها كان يقضا متابعا حازما وهي معايير افتقدها الرئيس هادي ولم يحاول تعويضها بالاستعانة بكفاءات وخبرات بل اهمل الجميع واختصر دائرة القرار وصناعته في نطاق ضيق لا يتجاوز حدود منزله في صنعاء ثم في الرياض داخل القصر الذي استضافته فيه الحكومة السعودية مع اسرته.
في المشهدين مشتركات اخرى فتحققا برعاية خارجية، وفي حين انه جرى الاول في صنعاء برعاية المبعوث الاممي حينئذ السيد جمال بن عمر، فقد جرى الثاني برعاية المملكة العربية السعودية التي وضعت كل ثقلها السياسي للتوقيع عليه، وحظي الاتفاقان بتأييد ومباركة إقليمية ودولية، وقد يختلف التوقيع في الرياض أنه تم بحضور القيادتين السعودية والاماراتية.
يتحمل الرئيس وحده مسؤولية التدهور الذي بلغته الأوضاع فقد تعمد تركيز كل السلطات وخاصة المرتبطة بالمال العام في يده، ونظرا لحالته الصحية فقد أحال كل قضايا البلد الى مكتبه وعدد من افراد اسرته، وساهم كبار المسـؤولين في ترسيخ هذا الخلل المدمر ولم يعترضوا عليه ولم يقاوموه وتحولوا جميعا الى موظفين بمسميات كبرى واجبرهم جميعا على الانتظار في بابه لاستجداء مرتباتهم ومخصصاتهم وقرارات تعيين أبنائهم وأقاربهم، فأسقطوا بتصرفاتهم المتواضعة كل معنى للمؤسسات التي يقفون على رأسها وأهانوا (الشرعية) التي يزعمون الدفاع عنها.
كان من الطبيعي لهذا الوضع ان يزيد من هزال ووهن كيان الشرعية وحكماً كان لابد ان يجبرها على السقوط أمام المواطنين الذين لم يعودوا يثقون بها ولا يعولون عليها لإنقاذهم من الكارثة التي ألقتها عليهم، ولم يبق من يؤمن بها وبمشاريعها النظرية الا مجموعة من المنتفعين منها اما الناس فلم تعد تمثل لهم أي بارقة أمل.
لقد اظهر اتفاقا 21 سبتمبر 2014 ثم 5 نوفمبر 2019 ان (الشرعية) لم تعد تحمل في طياتها حاجة وطنية فقد سقطت في كل مواجهاتها امام الحوثيين ثم المجلس الانتقالي، ولم تتمكن من المقاومة ولا الدفاع عن قيمها، وصار جوهرها الذي يؤمن به الناس ويحتمون في ظله بعيد المنال.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك