أسرة نازحة تتخذ الأشجار سكناً لها
بعد أن طالبه مالك المنزل، الخروج من منزله، لم يلق أمامه لإيواء أسرته سوى أشجار الطلح.
تقرير “انساني” – سهيل احمد
لم يكن الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي مر به الحاج عبده أحمد العبادي، قبل اندلاع الحرب في اليمن ووصول عريكها إلى قريته، ذلك الوضع المريح ولم يحفل بتلك الحياة الرغيدة التي حرمت عليه كغيره من اليمنين من أبناء الطبقة المتوسطة من الفلاحين والعمال، ولكن بالطبع كان له منزل متواضع يجمع فيه أسرته ويحميها من الشتات، وسقف يصد عنه ما استطاع من أشعة الشمس الملتهبة، وجدران يرتكي عليها بكل همومه وآلامه، وفراش يستريح فيه استراحة مكافح قبل أن تشرق شمس يوم آخر من العمل العناء والمكابدة والتعب، وعلى كل حال كان له مصد يوقف هبات الرياح قليلا قبل أن تلامس جسده، ويحول بين رأسه وبين قطارات المطر المتساقطة، والأهم أنه كان له ستار يتوارى فيه عن عيون الناس ويصون فيه أهله وأسرته، وعلى كل حال كان له عنوان، منزل، وطن.
ما إن وصلت رحى المعارك إلى عزلة “ثوجان” في مديرية القبيطة، بعد مايقارب العام من إعلان التحالف “السعودي الإماراتي” حربه على اليمن، ووصول قوات شرعية هادي التي يدعمها إلى “ثوجان”، حتى أطر الحاج العبادي كغيره من العشرات من أهالي المنطقة الذين أرغمتهم الحرب ، إلى النزوح إلى مناطق متعددة ومختلفة، نتيجة لتحويل قوات الشرعية منازلهم إلى ثكنات عسكرية ومنطقتهم إلى موقع عسكري.
في تغريبة لا يوجد فيها بدائل للمفاضلة، لملم العبادي ما استطاع من أمتعة منزله وتوجه مع أسرته المكونة من أربعة أولاد وأربع بنات بالإضافة إلى قرينته، إلى منطقة الراهدة في مديرية خدير، لأنها المنطقة الوحيدة التي يعرف فيها الحاج العبادي أن لأحد أصدقائه بيت مهجورة منذ مدة، وبنفس الوقت منطقة أمنة وقريبة عن دياره التي مازال يتشوق للعودة إليها متى ماسنحت الفرصة وأخليت من تواجد المجاميع المسلحة.
لم يدم مكوث الحاج العبادي في منزل صديقه في قرية “الموقع” في منطقة الراهدة طويلا، حتى طلب منه مالك المنزل إخلائه والخروج منه، نتيجة لنيته ترميمه وتجهيزه كمسكن لأحد أبنائه الذي حان موعد تزويجه وتسكينه في المنزل.
خرج الحاج العبادي من المنزل ولكن هذه المرة ليس إلا منزل آخر أقل تهالك من المنزل الذي استضافه لعدة أشهر، ولا إلى خيمة من خيام منظمات الإغاثة والغوث المطبوع عليها شعار الأمم المتحدة (UN)، وإنما توجه إلى أسفل حارة “الموقع” نفسها، وفي مكان يبعد عن تواجد السكان قليلا، وبين مجموعة من الشجر الكثيفة، لم ينصب الحاج العبادي خيمته لأنه لا يمتلك خيمة، وإنما استثمر امتداد فروع الأشجار المتشابكة ليكون خيمته ومنزله ومأوى وسكن لأسرته المكونة من عشرة أشخاص.
في منزل سقفه السماء وجدرانه أوراق الشجر، يفرض على أفراد الأسرة الدخول في مواجهة مباشرة مع برد الشتاء القارص، وشمس الصيف الحارقة، منزل كل ما فيه من الأثاث لا يزيد عن فراش، وكل ما فيه من مؤنة لا يمكن الجزم أنها ستصمد إلى اليوم الثانية.
ومنذ اتخاذ الحاج العبادي الأشجار منزل، يظل التفكير الذي يشغل باله في كل لحظة توفير قوت يومه، ماعدا دقائق التفائل الذي تمنحها له ذكريات و أحلام العودة إلى منزله وقريته، بعد أعوام من العناء وتقطع السبل، وانحصار علاقات المعرفة والصداقة، وانشغال ونسيان منظمات الإغاثة والنزوح له، لتصرف مليارات الدولارات التي كان يجب أن يصل ولو جزء بسيط منها إليه، في برامج تثقيف غسل اليدين.